صفحة جزء
591 - وفي رواية البخاري عن أبي سعيد : بالظهر ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ، واشتكت النار إلى ربها ، فقالت : رب ! أكل بعضي بعضا ، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير " . متفق عليه . وفي رواية للبخاري : فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها .


591 - ( وفي رواية للبخاري ، عن أبي سعيد " بالظهر " ) : أي : أدخلوها في وقت البرد ، فالباء للتعدية والأمر للندب ( فإن شدة الحر من فيح جهنم ) : بفاء ثم ياء ثم حاء أي : نفسها أو حرارتها أو غليانها ، وقال الطيبي : معناه سطوع حرها وانتشارها اهـ . إذ الفيح الوسع ، وقيل : أصله الواو من فاح يفوح ، فهو فيح كهان يهون فهو هين فخفف . قال ابن الملك : الإبراد بالظهر في شدة الحر ، قيل : مندوب لطالب الجماعة بهذا الحديث ، وقيل : التعجيل أولى لحديث خباب أنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا ، ولم يشكنا أي : لم يزل شكوانا ولم يرخص لنا في التأخير اهـ . والمعول هو الأول والتأخير يقيد إلى آخر [ ص: 527 ] الوقت لئلا يعارض . ( واشتكت النار إلى ربها ) : جملة مبينة للأولى ، وإن دخلت الواو بين المبين والمبين كما في قوله تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر ( فقالت : رب أكل بعضي بعضا ) : قال التوربشتي : ذكر في أول الحديث أن شدة الحر من فيح جهنم ، وهو محتمل أن يكون حقيقة ، وأن يكون مجازا فبين بقوله ( فأذن لها بنفسين ) : أي : فيها ( نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ) : أن المراد الحقيقة لا غير ، ثم نبه أن أحد النفسين يتولد منه أشد الحر ، والآخر يتولد منه أشد البرد بقوله : ( أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ) : أي : البرد ، وقال القاضي : اشتكاء النار مجاز عن كثرتها وغليانها ، وازدحام أجزائها بحيث يضيق مكانها عنها ، فيسعى كل جزء في إفناء الجزء الآخر ، والاستيلاء على مكانه ، ونفسها لهبها ، أو خروج ما برز منها مأخوذ من نفس الحيوان ، وهو الهواء الدخاني الذي تخرجه القوة الحيوانية ، ويبقى منه حوالي القلب ، وبيانه : أنه كما جعل مستطابات الأشياء وما يستلذ به الإنسان في الدنيا أشباه نعيم الجنان ، ليكونوا أميل إليه ، كما يدل عليه قوله تعالى : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا الآية . كذلك جعل الشدائد المؤلمة والأشياء المؤذية أنموذجا لأحوال الجحيم ، وما يعذب به الكفرة والعصاة ليزيد خوفهم وانزجارهم ، فما يوجد من السموم المهلكة ، فمن حرها ، وما يوجد من الصرصر المجمدة فهو من زمهريرها ، وهو طبقة من طبقات الجحيم ، ويحتمل هذا الكلام وجوها أخر ، والله أعلم . ذكره الطيبي .

ثم قوله : نفس بالجر على البدلية . وقال الأبهري : يجوز الرفع ، وقوله : أشد بالرفع على الصحيح ، قال السيد جمال الدين : هو خبر مبتدأ محذوف . أي : ذلك أشد ما تجدون ، أو مبتدأ خبره محذوف بقرينة الرواية الآتية . قال الطيبي : وهو أولى لرواية البخاري . قال السيد : ويروى بكسر الدال على البدل ، وقال ابن الملك : وروي بنصب أشد صفة لنفسين أو بدلا ، وفيه : أن نفسين مجرور ، وقال بعضهم : روي في أشد النصب أيضا ، وهو يحتمل أن يكون على حذف أعني ، وعلى كل تقدير ( فما ) إما موصولة أو موصوفة ، ومن الحر ومن الزمهرير بيان له ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه الأربعة .

( وفي رواية للبخاري : " فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها " ) : بفتح السين ( وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها ) : قال بعضهم : فعلم من الحديث أن في النار شدة الحر وشدة البرد ، وقيل : كل منهما طبقة من طبقات الجحيم . قال ابن الملك : وهذا من جملة الحكم الإلهية حيث أظهر آثار الفيح في زمان الحر ، وآثار الزمهرير في الشتاء لتعود الأمزجة بالحر والبرد ، فلو انعكس لم تحتمله ; إذ الباطن في الصيف بارد فيقاوم حر الظاهر ، وفي الشتاء حار فيقاوم برد الظاهر ، وأما اختلاف حر الصيف وبرد الشتاء في بعض الأيام ، فلعله تعالى يأمر بأن يحفظ تلك الحرارة في موضع ، ثم يرسلها على التدريج حفظا لأبدانهم وأشجارهم ، وكذا البرد .

[ ص: 528 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية