صفحة جزء
6040 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو ؟ فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن ) .


6040 - ( وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم رأيتني على قليب ) أي : بئر لم تطو وضدها المطوية بالحجارة والآجر ( عليها ) أي : فوقها ( دلو ) أي : ودلو معلقة عليها ( فنزعت ) أي : جذبت مما فيها ( منها ما شاء الله ) ، أي ما قدره الله وقضاه ( ثم أخذها ) أي : الدلو ( ابن أبي قحافة ) : بضم القاف ( فنزع منها ذنوبا ) : بفتح الذال المعجمة وهو الدلو وفيها ماء ، أو الملأى أو دون الملأى كذا في القاموس . ( أو ذنوبين ) : شك من الراوي ، والصحيح رواية ذنوبين ذكره ابن الملك ، والأظهر أن ( أو ) بمعنى ( بل ) فلا يحتاج إلى تخطئة الراوي ولا إلى شكه وتردده ، ويمكن أن يكون المراد بذكرهما إشارة إلى قلته مع عدم النظر عن تحقق عدده . ( وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ) ، جملة حالية دعائية وقعت اعتراضية مبينة أن الضعف الذي وجد في نزعه لما يقتضيه تغير الزمان وقلة الأعوان غير راجع إليه بنقيضه ( ثم استحالت ) أي : انقلبت الدلو التي كانت ذنوبا ( غربا ) : بفتح فسكون أي دلوا عظيمة على ما في القاموس ، وزاد ابن الملك : التي تتخذ من جلد ثور ، ( فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا ) : بتشديد التحتية أي رجلا قويا ( من الناس ينزع ) : بكسر الزاي ( نزع عمر ) أي : جبذه وهو مفعول مطلق ( حتى ضرب الناس بعطن ) ، بفتحتين أي حتى أرووا إبلهم فأبركوها وضربوا لها عطنا وهو مبرك الإبل حول الماء . قال القاضي : لعل القليب إشارة إلى الدين الذي هو منبع ما به تحيا النفوس ويتم أمر المعاش ، ونزع الماء في ذلك إشارة إلى أن هذا الأمر ينتهي من الرسول - عليه السلام - إلى أبي بكر ، ومنه إلى عمر ، ونزع أبي بكر ذنوبا أو ذنوبين إشارة إلى قصر مدة خلافته ، وأن [ ص: 3898 ] الأمر إنما يكون بيده سنة أو سنتين ، ثم ينتقل إلى عمر ، وكان مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر ، وضعفه فيه إشارة إلى ما كان في أيامه من الإضراب والارتداد واختلاف الكلمة ، أو إلى ما كان له من لين الجانب وقلة السياسة والمداراة مع الناس ، ويدل على هذا قوله : وغفر الله له ضعفه ، وهو اعتراض ذكره - صلى الله عليه وسلم - ليعلم أن ذلك موضوع ومغفور عنه غير قادح في منصبه ، ومصير الدلو في نوبة عمر غربا ، وهو الدلو الكبير الذي يستقي به البعير إشارة إلى ما كان في أيامه من تعظيم الدين ، وإعلاء كلمة الله ، وتوسع خططه وقوته ، وجده في النزع إشارة إلى ما اجتهد في إعلاء أمر الدين ، وإفشائه في مشارق الأرض ومغاربها اجتهادا بما لم يتفق لأحد قبله ولا بعده ، والعبقري : القوي ، وقيل : العبقر اسم واد يزعم العرب أن الجن تسكنه فنسبوا إليه كل من تعجبوا منه أمرا كقوة وغيرها ، فكأنهم وجدوا ما وجدوا منه خارجا عن وسع الإنسان ، فحسبوا أنه جيء من العبقر ، ثم قالوه لكل شيء نفيس .

وقال النووي : قوله : في نزعه ضعف ليس به حط لمنزلته ، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه ، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما ، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وفتح البلاد وحصول الأموال والغنائم ، وأما قوله : والله يغفر له ضعفه ، فليس فيه نقص ولا إشارة إلى ذنب ، وإنما هي كلمة كان المسلمون يزينون بها كلامهم . وقد جاء في ( صحيح مسلم ) أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك . وفي قوله : فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة إشارة إلى نيابة أبي بكر وخلافته بعده ، وراحته - صلى الله عليه وسلم - بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها . وفي قوله : ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر إلى قوله : وضربوا بعطن إشارة إلى أن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وابتدأ الفتوح ومهد الأمور ، وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر - رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية