صفحة جزء
6045 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب ) فأصبح عمر ، فغدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ، ثم صلى في المسجد ظاهرا . رواه أحمد ، والترمذي .


6045 - ( وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ) : الظاهر أنه من المراسيل ( قال : ( اللهم أعز الإسلام ) ، أي : قوه وانصره ( بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب ) ، أو للتنويع لا للشك ، ولا يبعد أن تكون بل للإضراب ( فأصبح عمر ) أي : دخل في الصباح بعد دعائه - عليه السلام - قبله ، ( فغدا ) أي : أقبل غاديا أي ذاهبا في أول نهاره ( على النبي صلى الله عليه وسلم ) ، قال الطيبي : هو إما خبر أي غدا مقبلا على النبي أو ضمن غدا معنى أقبل ، ونحوه قوله تعالى : وغدوا على حرد قادرين اهـ . فعلى الأول غدا من الأفعال الناقصة وعلى الثاني يتعلق على بغدا ( فأسلم ثم صلى ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي نسخة بصيغة المجهول أي : صلى المؤمنون ( في المسجد ظاهرا ) . أي عيانا غير خفي ، أو غالبا غير مخوف .

روى الحاكم أبو عبد الله في ( دلائل النبوة ) عن ابن عباس أن أبا جهل قال : من قتل محمدا فله علي مائة ناقة وألف أوقية من فضة ، فقال عمر : الضمان صحيح ؟ فقال : نعم عاجلا غير آجل ، فخرج عمر فلقيه رجل فقال : أين تريد ؟ قال : أريد محمدا لأقتله . قال : فكيف تأمن من بني هاشم ؟ قال : إني لأظنك قد صبوت . قال : ألا أخبرك بأعجب من هذا إن أختك وختنك قد صبوا مع محمد ، فتوجه عمر إلى منزل أخته ، وكانت تقرأ سورة طه ، فوقف يستمع ثم قرع الباب فأخفوها فقال عمر : ما هذه الهينمة ؟ فأظهرت الإسلام فبقي عمر حزينا كئيبا ، فباتوا كذلك [ ص: 3900 ] إلى أن قامت الأخت وزوجها يقرآن : طه ما أنزلنا فلما سمع قال : ناولني الكتاب حتى أنظر فيه ، فلما قرأه إلى قوله : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، قال : اللهم إن هذا أهل أن لا يعبد سواه ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فبات ساهر العين ينادي في كل ساعة : واشوقاه إلى محمد حتى أصبح فدخل عليه خباب بن الأرت فقال : يا عمر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات الليلة ساهرا يناجي الله - عز وجل - أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل ، وأنا أرجو أن تكون دعوته قد سبقت فيك ، فخرج مقلدا سيفه ، فلما وصل إلى منزل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ( يا عمر أسلم أو لينزلن الله بك ما أنزل بوليد بن المغيرة ) فارتعدت فرائص عمر ووقع السيف من يده فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقال : اللات والعزى تعبد على رءوس الجبال وفي بطون الأودية ، والله يعبد سرا ، والله لا يعبد الله سرا بعد يومنا هذا . ( رواه أحمد ، والترمذي ) . وانتهت روايته إلى قوله : فأسلم ولم يذكر ثم صلى إلخ وقال : غريب من هذا الوجه ، وفي سنده أبو عمرو بن النضر تكلم فيه بعضهم وقال : يروي المناكير من قبل حفظه اهـ . وزيادة ثم صلى إلخ رواها محيي السنة في ( شرح السنة ) : من جملة الحديث في هذا السند ذكره ميرك . وقال ابن الربيع في ( مختصر المقاصد الحسنة ) للسخاوي : حديث : ( اللهم أيد الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ) . رواه الإمام أحمد والترمذي في ( جامعه ) وغيرهما عن ابن عمر به مرفوعا . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، وصححه ابن حبان والحاكم في ( مستدركه ) عن ابن عباس : ( اللهم أيد الدين بعمر بن الخطاب ) وفي لفظ : أعز الإسلام بعمر ، وقال : إنه صحيح الإسناد ، وفيه عن عائشة : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة . وقال : إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . قلت : وأما ما يدور على الألسنة من قولهم : اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين فلا أعلم له أصلا . اهـ كلامه .

قال الزركشي ، حديث : ( اللهم أعز الإسلام ) إلخ رواه الترمذي ، وروى الحاكم عن عائشة : ( اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ) . وقال : صحيح على شرط الشيخين . وذكر أبو بكر النارنجي ، عن عكرمة أنه سئل عن حديث : اللهم أيد الإسلام ؟ فقال : معاذ الله دين الإسلام أعز من ذلك ، ولكنه قال : اللهم أعز عمر بالدين أو أبا جهل . أقول : ليس فيما ورد من الحديث محذور ، بل هو من قبيل قوله تعالى : فعززنا بثالث أي قوينا الرسولين وما أتيا من الدين به ، أو من باب قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) على أنه يمكن أن يكون من نوع القلب في الكلام كما في : عرضت الناقة على الحوض . ولذا ورد أيضا : زينوا أصواتكم بالقرآن . والحاصل أنه إن صحت الرواية وطابقت الدراية ، فلا وجه للتخطئة ، ثم لا شك في حصول إعزاز الدين به - رضي الله عنه - أولا : من إخفائه إلى إعلانه ، كما في قوله تعالى : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وهو كمال الأربعين إيماء إلى ذلك . وآخرا من فتوحات البلاد وكثرة إيمان العباد وفيما بينهما من غلظته على المنافقين والمشركين كما في قوله تعالى : أشداء على الكفار إشعارا إليه ، بل وما تم أمر خلافة الصديق وجهاده مع المرتدين إلا بمعونته ، وما فتح باب النزاع والمخالفة الباعثة على المقاتلة فيما بين المسلمين إلا بعد موته وبعد غيبته ، ولعله - صلى الله عليه وسلم - أشار بذلك في قوله : ( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ) . وقال داود بن الحصين والزهري : لما أسلم عمر نزل جبريل فقال : يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر ، وهو مروي عن ابن عباس على ما رواه أبو حاتم والدارقطني .

وقال المؤلف : هو عدوي قرشي يكنى أبا حفص ، أسلم سنة ست من النبوة ، وقبل سنة خمس بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة ، ويقال : به تمت الأربعون . قال ابن عباس : سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق ؟ فقال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ، ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فقلت أين : رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قالت أختي : هو في دار الأرقم عند بني الأرقم عند الصفا ، فأتيت الدار فإذا حمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر بن الخطاب . قال : فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بمجامع ثيابي ثم نثرني نثرة فما ملكت أن وقعت على ركبتي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أنت بمنته يا عمر ) فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن

[ ص: 3901 ] محمدا عبده ورسوله ، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : ( بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم ) . فقلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فأخرجناه - صلى الله عليه وسلم - في صفين ، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطحين ، حتى دخلنا المسجد ، فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابهم كآبة لم تصبهم مثلها ، فسماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الفاروق ، فرق الله بي بين الحق والباطل اهـ .

وذكر أهل التفسير عن ابن عباس أيضا أن منافقا خاصم يهوديا ، ودعاه اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي فلم يرض المنافق وقال : نتحاكم إلى عمر ، فقال اليهودي لعمر : قضى لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكم فلم يرض بقضائه وخاصم إليك ، فقال عمر للمنافق أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج ، فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله ، فنزلت : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت قيل : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن ) فأنزل الله تلك الآية ، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر عن قتله ظلما ، فقال جبريل - عليه السلام - : إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق وقد قال السيوطي : ورد أيضا بلفظ ابن عمر من حديث عمر نفسه أخرجه البيهقي في ( الدلائل ) ، ومن حديث أنس أخرجه البيهقي ، ومن حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم ، ومن حديث ربيعة السعدي أخرجه البغوي في ( معجمه ) ، ومن حديث ابن عباس وخباب أخرجهما ابن عساكر في تاريخه ، ومن حديث عثمان بن الأرقم ومرسل سعيد بن المسيب ومراسيل الزهري ، أخرجهما ابن سعد في ( الطبقات ) ، وورد بلفظ عائشة من حديث ابن عباس رواه الحاكم ، ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن سعد ، ومن حديث أبي بكر الصديق أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ، ومن حديث ابن مسعود أخرجه ابن عساكر ، ومن حديث ثوبان أخرجه الطبراني ، ومن مرسل الحسن أخرجه ابن سعد . وقال ابن عساكر في الجمع بين اللفظين : إنه دعا بالأول أولا ، فلما أوحي إليه أن أبا جهل لن يسلم خص عمر بدعائه ، فأجيب فيه ، وقد اشتهر هذا الحديث على الألسنة بلفظ : بأحب العمرين ، ولا أصل له من طرق الحديث بعد الفحص البالغ اهـ كلام السيوطي رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية