صفحة جزء
( 6 ) باب مناقب عثمان رضي الله عنه

الفصل الأول

6069 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته ، كاشفا عن فخذيه - أو ساقيه - فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدث ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو كذلك ، فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسوى ثيابه ، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : ( ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة ؟ ) . وفي رواية قال : ( إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته . رواه مسلم .


[ 6 ] باب مناقب عثمان - رضي الله عنه - الفصل الأول

6069 - ( عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته كاشفا ، عن فخذيه أو ساقيه ) . قال النووي - رحمه الله - : احتج به المالكية وغيرهم ممن يقول : ليست الفخذ عورة ، ولا حجة فيه لأنه قال الشيخ الألباني في المشكاة : الراوي في المكشوف هل هما الساقان أم الفخذان ؟ فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ . قلت : ويجوز أن يكون المراد بكشف الفخذ كشفه عما عليه من القميص ، لا من المئزر كما سيأتي ما يشعر إليه من كلام عائشة ، وهو الظاهر من أحواله - صلى الله عليه وسلم - مع آله وصحبه . ( فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدث ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو كذلك ، فتحدث ، ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : بعدما كان مضطجعا ( وسوى ثيابه ) ، أي بعد عدم تسويته ، وفيه إيماء إلى أنه لم يكن كاشفا عن نفس أحد العضوين ، بل عن الثياب الموضوعة عليهما ، ولذا لم تقل وستر فخذه ، فارتفع به الإشكال واندفع به الاستدلال والله تعالى أعلم بالأحوال ( فلما خرج ) أي : عثمان ومن معه أو تقديره : فلما خرج القوم ( قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ) : بتشديد الشين أي : لم تتحرك لأجله ، وفي " شرح مسلم " : الهشاشة البشاشة وطلاقة الوجه وحسن الالتقاء ( ولم تباله ) ، أي أبا بكر ، وفي نسخة بهاء السكت ، ففي " القاموس " ما أباليه مبالاة أي ما أكترث ، والمعنى ثبت على اضطجاعك وعدم جمع ثيابك ( ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك . قال : ( ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة ؟ ) بالياءين في الفعلين وهي اللغة الفصحى .

قال النووي : فيه فضيلة ظاهرة لعثمان - رضي الله عنه - وأن الحياء صفة جميلة من صفات الملائكة . قال المظهر : وفيه دليل على توقير عثمان - رضي الله عنه - عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لا يدل على حط منصب أبي بكر وعمر .

[ ص: 3918 ] - رضي الله عنهما - عنده - صلى الله عليه وسلم - وقلة الالتفات إليهما لأن قاعدة المحبة إذا كملت واشتدت ارتفع التكلف كما قيل : إذا حصلت الألفة بطلت الكلفة . قلت : فانقلب الحديث دلالة على فضلهما إلا أنه لما كان الظاهر المتبادر منه تعظيمه وتوقيره ذكر في باب مناقبه ، وأغرب ابن الملك حيث جزم أن المراد بالاستحياء التوقير ، وسيأتي في الرواية الآتية ما يدل على أن المراد به حقيقة الاستحياء ، وذلك لأن مقتضى حسن المعاملة والمجاملة في المعاشرة هو المشاكلة والمقابلة بالنسبة إلى كل أحد من غلبة الصفة والحالة التي تكون فيه . ألا ترى أن من يراعي صاحبه بكثرة التواضع يقتضي له زيادة التواضع معه ، وكذا إذا كان كثير الانبساط يوجب الانبساط ، وإذا كان كثير الأدب يحمل صاحبه على تكلف الأدب معه ، وعلى هذا القياس سائر الأحوال من السكوت والكلام والضحك والقيام وأمثال ذلك ، هذا وقد قال الحافظ السخاوي في فتاويه : سئلت عن الموطن الذي استحت فيه الملائكة من سيدنا عثمان - رضي الله عنه - ؟ فأجبت : لم أقف عليه في حديث يعتمد ، ولكن أفاد شيخنا البدر النسابة في بعض مجاميعه عن الجمال الكازروني : أنه لما آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة في غيبة أنس بن مالك وتقدم عثمان لذلك كان صدره مكشوفا ، فتأخرت الملائكة حياء ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بتغطية صدره فعادوا إلى مكانهم ، فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبب تأخرهم فقالوا : حياء من عثمان اهـ . فهذا يدل على أن الحياء يوجب الحياء ، وأن حياء الملائكة صار سببا لحياء عثمان ، وكأنه استمر عليه وبالغ فيه حتى صار سببا لاستحياء غيره منه والله أعلم .

وعن الحسن : وذكر عثمان وشدة حيائه فقال : إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق ، ثم يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه كما أخرجه أحمد وصاحب " الصفوة " .

( وفي رواية قال ) : قال ميرك : ظاهر إيراد المصنف يقتضي أن الرواية الثانية مع التي قبلها في حديث واحد ، وإنما هما حديثان ، فالمتقدم من حديث عائشة والرواية الثانية من حديث سعيد بن العاص : أن عثمان وعائشة حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحالة فقضى إليه حاجته ثم انصرف . قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس ، وقال لعائشة : ( اجمعي علي ثيابك ) يعني المرط . قال : فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة : يا رسول الله ، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان فقال : ( إن عثمان رجل حيي ) : فعيل بمعنى كثير الحياء ( وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته ) . أي إن أذنت له في تلك الحالة أخاف أن يرجع حياء مني عندما يراني على تلك الهيئة ، ولا يعرض علي حاجته لغلبة أدبه وكثرة حيائه . ( رواه مسلم ) . وكذا أحمد وأبو حاتم .

وروى أحمد عن حفصة قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع ثوبه بين فخذيه ، فجاء أبو بكر يستأذن فأذن له وهو على هيئته ، ثم جاء عمر يستأذن فأذن له وهو على هيئته ، ثم جاء عثمان يستأذن فتجلل ثوبه ثم أذن له ، فتحدثوا ساعة ثم خرجوا . قلت : يا رسول الله ، دخل أبو بكر وعمر وعلي وناس من أصحابك وأنت على هيئتك لم تتحرك ، فلما دخل عثمان تجللت ثوبك . قال : ( ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ) . وخرجه رزين مختصرا .

وقال البخاري : قال محمد : ولا أقول ذلك في يوم واحد ، وجاء في رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( عثمان رجل ذو حياء فسألت ربي أن لا يقف للحساب فشفعني فيه ) . وفي رواية : إني سألت عثمان حاجة سرا فقضاها سرا . فسألت الله أن لا يحاسب عثمان . وفي رواية : فسألت الله أن يحاسبه سرا . وهذه من خصائصه إذ ورد في سياق : أول من يحاسب أبو بكر ثم عمر ثم علي ، وقد أخرج أبو نعيم " في الحلية " عن ابن عمر مرفوعا : ( أشد أمتي حياء ابن عفان ) وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعا : ( عثمان حيي تستحي منه الملائكة ) . وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعا : ( عثمان أحيى أمتي وأكرمها ) . وأخرج أبو نعيم عن أبي أمامة مرفوعا : ( أشد هذه الأمة بعد نبيها حياء عثمان بن عفان ) وأخرج أبو يعلى عن عائشة مرفوعا قال : ( إن عثمان حين يسير تستحي منه الملائكة ) .

[ ص: 3919 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية