صفحة جزء
6075 - وعن ثمامة بن حزن القشيري - رضي الله عنه - قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ؟ فقال : ( من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ؟ ) فاشتريتها من صلب مالي ، وأنتم اليوم تمنعونني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ؟ ، فقالوا : اللهم نعم . فقال أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة ؟ ) فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ركعتين ؟ ، قالوا اللهم نعم . قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض ، فركضه برجله قال : ( اسكن ثبير ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) ; قالوا : اللهم نعم . قال : الله أكبر ، شهدوا ورب الكعبة أني شهيد ، ثلاثا . رواه الترمذي ، والنسائي ، والدارقطني .


6075 - ( وعن ثمامة ) : بضم المثلثة ( ابن حزن ) : بفتح حاء مهملة وسكون زاي فنون ( القشيري ) : بالتصغير يعد في الطبقة الثانية من التابعين ، رأى عمر وابنه عبد الله ، وأبا الدرداء ، وسمع عائشة ، وروى عنه الأسود بن شيبان البصري . ( قال : شهدت الدار ) ، أي : حضرت دار عثمان التي حاصروه فيها ، وتفصيل قضيتها مذكور في " الرياض " وغيره . ( حين أشرف عليهم عثمان ) ، أي : اطلع على الذين قصدوا قتله ( فقال : أنشدكم الله والإسلام ) : بضم الشين ونصب الاسمين أي : أسألكم بالله والإسلام أي : بحقهما ( هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس

[ ص: 3922 ] بها ماء يستعذب ) ، أي : يعد عذبا أي : حلوا ( غير بئر رومة ) ؟ برفع " غير " وجوز نصبه والبئر مهموز ويبدل ، ورومة بضم الراء وسكون الواو فميم ، اسم بئر في العقيق الأصفر اشتراها عثمان - رضي الله عنه - بمائة ألف درهم ، وفي المدينة عقيقان سميا بذلك لأنهما عقا عن حرة المدينة أي : قطعا ( فقال ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين ) : بكسر الدال جمع دلو وهو كناية عن الوقف العام ، وفيه دليل على جواز وقف السقايات ، وعلى خروج الموقوف عن ملك الواقف حيث جعله مع غيره سواء ، ذكره ابن الملك ، وجملة يجعل مفعول له أو حال أي : إرادة أن يجعل أو قاصدا أن يجعل دلوه مساويا أو مصاحبا مع دلائهم في الاستقاء ، ولا يخصها من بينهم بالملكية فقوله : مع دلاء المسلمين هو المفعول الثاني لجعل أي : يجعل دلوه . روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال : إن المهاجرين قدموا المدينة واستنكروا ماءها ، وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة ، وكان يبيع القربة منها بمد ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( هل تبيعها بعين في الجنة ) قال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي سواها فلا أستطيع ذلك ، فقال : ( من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين ) ( بخير ) : متعلق بيشتري والباء للبدل . قال الطيبي : وليست مثلها في قولهم اشتريت هذا بدرهم ولا في قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فالمعنى من يشتريها بثمن معلوم ثم يبدلها بخير منها أي : بأفضل وأكمل أو بخير حاصل ( له ) ، أي : لأجله ( منها ) ، أي : من تلك البئر أو من جهتها ( في الجنة ) فاشتريتها من صلب مالي ) ، بضم الصاد أي : من أصله أو خالصه . في " الرياض " ، قال : فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : اجعل لي مثل الذي جعلته له عينا في الجنة . قال : نعم . قال : قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين ، أخرجه الفضائلي . ( وأنتم اليوم تمنعونني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ) ؟ أي : مما فيه ملوحة كماء البحر ، والإضافة فيه للبيان أي : ما يشبه البحر ( فقالوا : اللهم نعم ) . قال المطرزي : قد يؤتى باللهم ما قبل إلا إذا كان المستثنى عزيزا نادرا وكان قصدهم بذلك الاستظهار بمشيئة الله تعالى في إثبات كونه ووجوده إيماء إلى أنه بلغ من الندور . حد الشذوذ وقيل كلمتي الجحد والتصديق في جواب المستفهم كقوله : اللهم لا ونعم ( فقال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أن المسجد ) ، أي : مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ( ضاق بأهله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها ) : بالرفع وفي نسخة بالنصب أي : فتزيد تلك البقعة ( في المسجد بخير له منها في الجنة ) . فاشتريتها من صلب مالي ) ، أي : بعشرين ألفا أو خمسة وعشرين ألفا على ما رواه الدارقطني . وروى البخاري عن ابن عمر : أن المسجد كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنيا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر ، وبناه على بنائه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ، ثم عمره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج . وأخرج أبو الخير القزويني الحاكمي ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، أنه كان من شأن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أهل مكة : ( يا فلان ألا تبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه في الجنة ) فقال الرجل : يا رسول الله ما لي بيت غيره فإن أنا بعتك داري لا يؤويني وولدي بمكة شيء قال : ( ألا بل بعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة ) . فقال الرجل والله ما لي إلى ذلك حاجة ، فبلغ ذلك عثمان ، وكان الرجل صديقا له في الجاهلية ، فأتاه فلم يزل به عثمان حتى اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار فقال : يا رسول الله بلغني أنك أردت من فلان داره لتزيدها في مسجدالكعبة ببيت تضمنه له في الجنة ، وإنما هي داري فهل أنت آخذها ببيت تضمنه لي في الجنة ؟ فأخذها منه وضمن له بيتا في الجنة ، وأشهد له على ذلك المؤمنين كذا في الرياض .

[ ص: 3923 ] ( فأنتم ) : بالفاء هنا خلافا ، لما تقدم ( اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ) . أي : في تلك البقعة فضلا عن سائر المسجد . ( فقالوا : اللهم نعم . قال ) : بلا فاء هنا وفيما بعده خلافا لما قبل ( أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ) ؟ أي : وقال لي ما قال مما يدل على حسن حالي ومآلي ( قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على ثبير مكة ) : بفتح مثلثة وكسر موحدة وتحتية ساكنة فراء جبل بمكة . وفي " المصباح " : جبل بين مكة ومنى ، وهو يرى من منى وهو على يمين الذاهب منها إلى مكة .

وقال الطيبي : ثبير جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى ، وهو جبل كبير مشرف على كل جبل بمنى ، وبمكة جبال كل منها اسمه ثبير اهـ . والمشهور أنه جبل مشرف على منى من جمرة العقبة إلى تلقاء مسجد الخيف وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفات ، كذا حكاه عز الدين بن جماعة . وقال عياض في المشارق : إنه على يسار الذاهب إلى منى . وقال ابن جماعة ، وقيل : وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يمين الذاهب إلى عرفة . قال الطبري ، وقيل : هو أعظم جبل بمكة عرف برجل من هذيل كان اسمه ثبيرا دفن فيه . وقال الجوهري والسهيلي والمطرزي في المغرب : هو جبل من جبال مكة أي بقرب مكة ، وقيل : هو جبل مقابل لجبل حراء اهـ .

وفي رواية قال : حراء مكان ثبير ( ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل ) أي : اهتز ثبير ( حتى تساقطت حجارته ) أي : بعضها ( بالحضيض ) ، أي أسفل الجبل وقرار الأرض ( فركضه ) أي : ضربه ( برجله . قال ) : استئناف ( اسكن ثبير ) ، أي يا ثبير ( فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) ، أي حقيقيان حيث قتلا عقب الطعن وماتا قريبا من أثر الضرب ، وهما عمر وعثمان ، ولا ينافيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصديق شهيدان حكميان حيث كان أثر موتهما من السم القديم لهما ( قالوا : اللهم نعم . قال : الله أكبر ) كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته ، ولذلك قال ( شهدوا ورب الكعبة أني شهيد ) ، بفتح الهمزة مفعول شهدوا أي شهد الناس أني شهيد ( ثلاثا ) أي : قال الله أكبر إلى آخره ثلاث مرات لزيادة المبالغة في إثبات الحجة على الخصم ، وذلك لأنه لما أراد أن يظهر لهم أنه على الحق ، وأن خصماءه على الباطل على طريق يلجئهم إلى الإقرار بذلك ، أورد حديث ثبير مكة ، وأنه من أحد الشهيدين مستفهما عنه فأقروا بذلك وأكدوا إقرارهم بقولهم : اللهم نعم فقال : الله أكبر تعجبا وتعجيبا وتجهيلا لهم واستهجانا لفعلهم ، ونظيره قوله تعالى : هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فإنه تعالى لما ضرب مثل عابد الأصنام وعابد الله تعالى برجلين أحدهما له شركاء بينهم اختلاف ، وتنازع كل واحد منهم يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه ، وهو متحير في أمره لا يدري أيهم يرضى بخدمته ، والآخر قد سلم لمالك واحد وخلص له ، فهو يلتزم خدمته ، فهمه واحد وقلبه مجتمع ، واستفهم منهم بقوله : هل يستويان مثلا فلا بد لهم أن يذعنوا ويقولوا : لا ، فقال : الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون كذا حققه الطيبي ( رواه الترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ) . وفي بعض الروايات زاد : وأنشدكم بالله من شهد بيعة الرضوان إذ بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين أهل مكة فقال : هذه يدي وهذه يد عثمان ، فبايع لي فانتشد له رجال . زاد الدارقطني في بعض طرقه : وأنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجني إحدى ابنتيه بعد الأخرى رضا لي ورضا عني ؟ قالوا : اللهم نعم .

[ ص: 3924 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية