صفحة جزء
6120 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . رواه أحمد ، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح .

وروي عن معمر عن قتادة ، مرسلا وفيه : " وأقضاهم علي " .


6120 - ( وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أرحم أمتي " ) ، أي : أكثرهم رحمة ( " بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله ) ، أي : أقواهم في دين الله كما في رواية ( " عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم " ) ، أي : أكثرهم علما بالفرائض ( زيد بن ثابت ) ، أي : الأنصاري كاتب النبي ، وكان حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - له إحدى عشرة سنة ، وكان أحد فقهاء الصحابة الأجلة القائم بالفرائض ، وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر ، ونقله من المصحف في زمن عثمان ، روى عنه خلق كثير ، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وله ست وخمسون سنة . ( " وأقرؤهم " ) ، أي : أعلمهم بقراءة القرآن ( " أبي بن كعب " ) ، أي : الأنصاري الخزرجي ، كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي ، وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكناه أبا المنذر ، وعمر أبا الطفيل ، وسماه النبي سيد الأنصار ، وعمر سيد المؤمنين ، مات بالمدينة سنة تسع عشرة روى عنه خلق كثير . ( " وأعلمهم بالحلال والحرام " ) : وفي نسخة بالحرام والحلال ( " معاذ بن جبل " ) ، يكنى أبا عبد الله الأنصاري الخزرجي ، وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار ، وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وبعثه - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيا ومعلما ، روى عنه عمر وابن عمر وابن عباس وخلق سواهم ، وأسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة في قول بعضهم ، واستعمله عمر على الشام بعد أبي عبيدة بن الجراح ، فمات في عامه ذاك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، وله ثمان وثلاثون سنة ، وقيل غير ذلك . ( " ولكل أمة أمين " ) ، أي : مبالغ في الأمانة ( " وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " ) . ومما يدل على كمال زهده ما ذكره في الرياض عن عروة بن الزبير قال : لما قدم عمر بن الخطاب من الشام تلقاه أمراء الأجناد وعظماء الأرض ، فقال عمر : أين أخي ؟ قالوا : من ؟ قال : أبو عبيدة . قالوا : يأتيك الآن ، فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته ، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال عمر : ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل . أخرجه صاحب الصفوة والفضائلي ، وزاد بعد قوله : ويأتيك الآن : فجاء على ناقة مخطومة بحبل ، وفي رواية أن عمر قال له : اذهب بنا إلى منزلك . قال : فدخل منزله فلم ير شيئا قال : أين متاعك ما أرى إلا لبدا وصحفة وسيفا وأنت أمير ؟ أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة إلى جوبة فأخذ منها كسرات ، فبكى عمر وقال : غرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ) .

( وروي ) : بصيغة المجهول أي : الحديث ( عن معمر عن قتادة مرسلا ) ، أي : بحذف الصحابي ( وفيه ) ، أي : في هذا المروي ( " وأقضاهم علي " ) . أي : أعلمهم بأحكام الشرع قاله شارح ، والأظهر أن معناه أعلم بأحكام الخصومة المحتاجة إلى القضاء . قال النووي في فتاويه قوله : أقضاكم علي ، لا يقتضي أنه أقضى من أبي بكر وعمر ، لأنه لم يثبت كونهما من المخاطبين ، وإن ثبت فلا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة كونه أقضى من كل واحد ، يعني لاحتمال التساوي مع بعضهم ، ولا يلزم من كون واحد أقضى أن يكون أعلم من غيره ، ولا يلزم من كونه أعلم كونه أفضل يعني لا يلزم من كونه أكثر فضيلة كونه أكثر مثوبة ، كذا في الأزهار ، وفيه بحث لأن المدار عندنا على الظاهر ، إذ لا نطلع نحن على السرائر ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " وأما حديث : " ما فضلكم أبو بكر بفضل صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه " فقد ذكره الغزالي بلفظ : ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا بكثرة صوم ، وقال العراقي : لم أجده مرفوعا ، وهو عند الحكيم الترمذي من قول بكر بن عبد الله المزني ، نعم لو لوحظ اعتبار الأسبقية في أكثرية الثواب الأخروية مع المشاركة في سائر الأبواب لكان له وجه وجيه إلى صوب الصواب ، فقد قالوا : المعتبر في السبق هو إيمان أبي بكر ، وإن شاركه علي وخديجة وزيد ، إذ إيمان الصغير والمرأة والمولى لا سيما وهم من الأتباع ليس له شأن عند الأعداء ، ولهذا قوي الإيمان بحمزة وعز بإسلام عمر ، كما قال عز وجل : فعززنا بثالث والحاصل أن الأحاديث

[ ص: 3955 ] متعارضة والأدلة متناقضة ، فالعبرة بما اتفق عليه جمهور الصحابة ، وبما أجمع عليه أئمة أهل السنة ، ومع هذا فالمسألة ظنية لا يقينية خلافا لمن خالف ، وقد صرح شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردي حيث قال في علم الهدى : فإن قبلت النصح فأمسك عن التصرف في أمرهم ، واجعل محبتك للكل على السواء من غير أن ترجح محبة أحدهم على الآخر ، وأمسك عن التفضيل والغلو ، وإن خامر باطنك فضل أحدهم على الآخر فاجعل ذلك من جملة أسرارك ، فلا يلزمك إظهاره ، ولا يلزمك أن تحب أحدهم أكثر من الآخر ، أو تعتقد فضله أكثر من الآخر ، بل يلزمك محبة الجميع والاعتراف بفضل الجميع ، ويكفيك في العقيدة السليمة أن تعتقد صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم تعلم أن عليا ومعاوية كانا على القتال والخصام ، وكان الطائفتان يسب بعضهم بعضا وما حكم أحد منهم بكفر الآخرين ، إنما كانت ذنوبا لهم فلا تكفر أحدا بما ترى منه من الجهل والسب ، واعتقد أن أمير المؤمنين عليا اجتهد في الخلافة وأصاب في الاجتهاد ، وكان أحق الناس بالخلافة إذ ذاك ، وأن معاوية اجتهد في ذلك وأخطأ في الاجتهاد ، وإن لم يكن مستحقا لها مع علي - رضي الله عنه - والله تعالى ينفعنا بمحبتهم ويحشرنا في زمرتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية