صفحة جزء
6150 - وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن كنتم تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " . متفق عليه . وفي رواية لمسلم نحوه وفي آخره : " أوصيكم به ، فإنه من صالحيكم " .


6150 - ( وعن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا ) ، أي : أرسل جيشا ( وأمر ) : بتشديد الميم أي جعل أميرا ( عليهم أسامة بن زيد ، فطعن ) : بفتح العين من طعن كمنع في العرض والنسب ، وأما بالضم فبالرمح واليد ، ويقال : هما لغتان ، والمعنى فتكلم ( بعض الناس ) ، أي : المنافقون أو أحلاف العرب ( في إمارته ) بكسر الهمزة أي ولايته لكونه مولى ( فقال رسول الله ) : وفي نسخة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ( " إن كنتم تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه " ) : يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ( " من قبل " ) أي من قبل هذا أو من قبل إمارة ابنه قال الطيبي : قوله : فقد كنتم طعنتم هذا الجزاء إنما يترتب على الشرط بتأويل التنبيه والتوبيخ ، أي : طعنكم الآن فيه سبب ، لأن أخبركم أن ذلك من عادة الجاهلية وهجيراهم ومن ذلك طعنكم في أبيه من قبل نحو قوله تعالى : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( " وأيم الله " ) : بهمز وصل ، وقيل : قطع أي : والله ( " إن " ) : مخففة أي الشأن ( " كان " ) ، أي : أبوه ( " لخليقا " ) ، أي : لجديرا وحقيقا ( " للإمارة " ) أي لفضله وسبقه وقربه مني ، وفي أصل المالكي : وأيم الله لقد كان ، وفي نسخة عنده إن كان خليقا فقد استعمل أن المخففة المتروكة العمل عاريا ما بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها . قال التوربشتي : إنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا من الموالي ، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف ، فلما جاء الله بالإسلام ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم والتقى وعرف حقهم المحفوظون من أهل الدين ، فأما المرتهنون بالعادة والممتحنون بحب الرياسة من الأعراب ورؤساء القبائل ، فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك ، لاسيما أهل النفاق ، فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث زيد بن حارثة - رضي الله عنه - أميرا على عدة سرايا ، وأعظمها جيش مؤتة وسار تحت رايته في تلك الغزوة خيار الصحابة منهم : جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكان خليقا بذلك لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كان يبعث أسامة ، وقد أمره في مرضه على جيش فيهم جماعة من " مشيخة الصحابة وفضلائهم ، وكأنه رأى في ذلك سوى ما توسم فيه من النجابة أن يمهد الأمر ويوطئه لمن يلي الأمر بعده ، لئلا ينزع أحد يدا من طاعة ، وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية قد عميت مسالكها وخفيت معالمها . ( " وإن كان " ) ، أي : أبوه ( " لمن أحب الناس إلي وإن هذا " ) ، أي : أسامة ( " لمن أحب الناس إلي بعده ) أي بعد أبيه زيد ( متفق عليه ) .

وعند النسائي عن عائشة قالت : ما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم . قال بعض المحققين : فيه جواز إمارة المولى ، وتولية الصغار على الكبار ، والمفضول على الفاضل : قلت : ولعل تأميره مع تأمير ابنه وقع جبرا لما اختاره من عبوديته - صلى الله عليه وسلم - خيره ، فقد قال المؤلف : زيد بن حارثة أمه سعدى بنت ثعلبة من بني معن خرجت به تزور قومها ، فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية ، فمروا على أبيات من بني معن رهط أم زيد ، فاحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام ، يقال : له ثمان سنين ، فوافوا به سوق عكاظ ، فعرض للبيع فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته خديجة بأربعمائة درهم ، فلما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته له ، فقبضه ثم إن خبره اتصل بأهله ، فحضر أبوه حارثة وعمه كعب في فدائه ، فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين نفسه والمقام عنده ، وبين أهله والرجوع إليهم ، فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يرى من بره لإحسانه إليه ، فحينئذ خرج به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحجر فقال : يا من حضر اشهدوا إن زيدا ابني يرثني وأرثه فصار يدعى زيد بن محمد إلى أن جاء الله بالإسلام ، ونزل : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فقيل له زيد بن حارثة ، وهو أول من أسلم من الذكور في قول ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر منه بعشر سنين ، وقيل : بعشرين سنة . وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولاته أم أيمن ، فولدت له أسامة ، ثم تزوج زينب بنت جحش بنت عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طلقها لتكبرها عليه ، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسم الله تعالى في القرآن أحدا من الصحابة غيره في قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن .

[ ص: 3974 ] روى عنه ابنه أسامة وغيره ، وقتل في غزوة مؤتة ، وهو أمير الجيش ، في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة .

( وفي رواية لمسلم نحوه ) ، أي : نحو الحديث المتفق عليه سابقا ( وفي آخرها ) ، أي : رواية مسلم ( " أوصيكم به " ) أي : بأسامة ( فإنه من صالحيكم ) . أي : ممن غلب عليه الصلاح فيما بينكم ، وإلا فكل الصحابة صالحون ، والخطاب لجماعة من الحاضرين أو المبعوثين معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية