صفحة جزء
6188 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أريتك في المنام ثلاث ليال ، يجيء بك الملك في سرقة من حرير ، فقال لي : هذه امرأتك ، فكشفت عن وجهك الثوب ، فإذا أنت هي ، فقلت : إن يكن هذا من عند الله يمضه " . متفق عليه .


6188 - ( وعن عائشة قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أريتك " ) : بصيغة المجهول المتكلم من الإراءة أي أعلمتك ( " في المنام ثلاث ليال ، يجيء بك " ) : الباء للتعدية أي يأتي بصورتك ( " الملك في سرقة " ) : بفتحتين ( " من حرير " ) ، أي : في قطعة من جيد الحرير ، قيل : وهو معرب سرة ( " فقال " ) ، أي : الملك ( " لي هذه " ) ، أي : هذه الصورة ( " امرأتك " ) ، أي صورتها ( " فكشف عن وجهك الثوب ، فإذا أنت هي " ) ، أي : تلك الصورة .

قال الطيبي : يحتمل وجهين : أحدهما : كشفت عن وجه صورتك فإذا أنت الآن تلك الصورة ، وثانيهما :

[ ص: 3991 ] كشفت عن وجهك عندما شاهدتك ، فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وحملها عليه كقوله تعالى : ( هذا الذي رزقنا من قبل ) ومنه مسألة الكتاب كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هي أي فإذا الزنبور مثل العقرب ، فحذف الأداة مبالغة فحصل التشابه ، وإليه لمح الآية ، وأتوا به متشابها ، ومعنى المفاجأة في إذا يساعد هذا الوجه . اهـ .

والجمع بينه وبين قولها : نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجني بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة ، والخرقة في راحته ، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقوله في نفس الخبر : نزل مرتين أي نزل جبريل بصورتها في راحته وملك آخر في سرقة ( " فقلت " ) ، أي : في جواب الملك ( " إن يكن هذا " ) ، أي : ما رأيته في المنام ( " من عند الله يمضه " ) . بضم الياء من الإمضاء أي ينفذه لدي ، ويوصله إلي ويظهره علي وفي نسخة بهاء السكت .

قال الطيبي : هذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر المدل بصحته تقريرا لوقوع الجزاء وتحققه ، ونحوه قول السلطان لمن تحت قهره : إن كنت سلطانا انتقمت منك أي السلطنة مقتضية للانتقام ، وفي شرح مسلم قال القاضي عياض : إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة وقبل تخليص أحلامه - صلى الله عليه وسلم - من الأضغاث ، فمعناها إن كانت رؤيا حق ، وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاث معان . أحدها : المراد أن تكون الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير يمضه الله وينجزه ، فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها ، أم تحتاج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها . وثانيها : أن المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا يمضها الله ، فالشك أنها زوجية في الدنيا أم في الجنة . وثالثها : أنه لم يشك ولكن أخبر على التحقيق ، وأتى بصورة الشك وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف ، وسماه بعضهم مزج الشك باليقين . قال الطيبي : وهذا هو الذي ضعفناه فيما سبق ، وكان من توارد الخاطر .

قال المؤلف : خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها بمكة في شوال سنة عشر من النبوة وقبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل غير ذلك ، وأعرس بها بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا . أولها : تسع سنين ، وقيل دخل بها بالمدينة بعد سبعة أشهر من مقدمه ، وبقيت معه تسع سنين ، ومات عنها ولها ثمان عشرة سنة . ولم يتزوج بكرا غيرها ، وكانت فقيهة عالمة فصيحة فاضلة كثيرة الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارفة بأيام العرب وأشعارها ، روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين ، وماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين ، وقيل سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان ، وأمرت أن تدفن ليلا فدفنت بالبقيع ، وصلى عليها أبو هريرة ، وكان يومئذ خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية