صفحة جزء
6189 - وعنها ، قالت : إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت : إن نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلم حزب أم سلمة ، فقلن لها : كلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلم الناس فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليهده إليه حيث كان . فكلمته ، فقال لها : " لا تؤذيني في عائشة ؟ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة " . قالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ! ثم إنهن دعون فاطمة فأرسلن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمته ، فقال : " يا بنية ! ألا تحبين ما أحب ؟ " . قالت : بلى . قال : " فأحبي هذه " . متفق عليه .

وذكر حديث أنس " فضل عائشة على النساء " في باب " بدء الخلق " برواية أبي موسى .


6189 - ( وعنها ) ، أي : عن عائشة ( قالت : إن الناس كانوا يتحرون ) : بتشديد الراء المفتوحة من التحري وهو طالب الحري بمعنى اللائق ، أو قصد الأحرى بمعنى الأحق والأولى . قال الطيبي : هو الرواية وفي بعض نسخ المصابيح يتحينون وما وجدناها في الأصول . وفي النهاية التحري : القصد والاجتهاد في الطلب ، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول . وفي الحديث : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر أي : تعهدوا طلبها فيها . اهـ . والمعنى يطلبون زيادة الثواب ( بهداياهم يوم عائشة ) ، أي في اليوم الذي هو نوبة عائشة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها ( يبتغون ) ، أي : يطلبون ( بذلك ) ، أي : بإرسال هداياهم إليه في يومها ( مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . أي زيادة رضاه لمزيد محبته لها . ( وقالت : إن نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن حزبين ) ، أي : طائفتين اتفقت مزاج كل طائفة ورأيها في عشرتها وصحبتها ( فحزب ) ، أي : جمع منهن . ( فيه عائشة ) : وسبق ذكرها ( وحفصة ) : وهي بنت .

[ ص: 3992 ] عمر بن الخطاب
، وأمها زينب بنت مظعون ، كانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت حبيش بن حفافة السهمي ، هاجرت معه مات عنها بعد غزوة بدر ، فلما ضاعت ذكرها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما ، فخطبهـا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحه إياها في سنة ثلاث ، وطلقها تطليقة واحدة ، ثم راجعها حيث نزل عليه الوحي : راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ، روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين ، وماتت في شعبان سنة خمس وأربعين وهي ابنة ستين ( وصفية ) : وهي بنت حيي بن أخطب من بني إسرائيل سبط هارون بن عمران - عليه السلام - وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق ، فقتل يوم خيبر في محرم سنة سبع ، ووقعت في السبي فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل وقعت في سهم دحية الكلبي ، فاشتراها منه بسبعة أرؤس ، فأسلمت فأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها ، وماتت سنة خمسين ودفنت بالبقيع ، روى عنها أنس وابن عمر وغيرهما ( وسودة ) ، أي : بنت زمعة أسلمت قديما ، وكانت تحت ابن عم لها يقال له السكوان بن عمرو ، فلما مات زوجها تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل بها بمكة ، وذلك بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة ، وهاجرت إلى المدينة ، فلما كبرت أراد طلاقها فسألته أن لا يفعل ، وجعلت يومها لعائشة فأمسكها ، وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين ( والحزب الآخر ) ، أي : من أمهات المؤمنين ( أم سلمة ) : وهي بنت أبي أمية ، اسمها هند ، وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي سلمة ، فما مات أبو سلمة سنة أربع ، وقيل سنة ثلاث ، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليال بقين في شوال من السنة التي مات فيها أبو سلمة ، وماتت سنة تسع وخمسين ودفنت بالبقيع ، وكان عمرها أربعا وثمانين سنة ، روى عنها ابن عباس وعائشة وزينب بنتها وابن المسيب ، وخلق سواهم كثير من الصحابة والتابعين . ( وسائر نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، أي وباقيهن وهن زينب وأم حبيبة وجويرية بالتصغير وميمونة .

أما زينب فهي بنت جحش ، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت تحت زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلقها ثم تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة خمس ، وهي أول من مات من أزواجه بعده ، وكان اسمها برة ، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب . قالت عائشة في شأنها : لم تكن امرأة خيرا منها في الدين ، وأتقى لله وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة وأشد تبذلا لنفسها في العمل الذي تتصدق به ، وتتقرب إلى الله تعالى ، ماتت بالمدينة سنة عشرين ، وقيل : سنة إحدى وعشرين ، ولها ثلاث وخمسون سنة ، روت عنها عائشة وأم حبيبة وغيرها .

وأما أم حبيبة : فاسمها رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب ، وأمها صفية بنت أبي العاص عمة عثمان بن عفان ، وقد اختلف في نكاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها ، وموضع العقد ، فقيل : إنه عقد بأرض الحبشة سنة ست وزوجه منها النجاشي وأمهرها أربعمائة دينار ، وقيل أربعة آلاف درهم من عنده ، وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - شرحبيل بن حسنة فجاء بها إليه ، ودخل بها بالمدينة ، وقيل : إنه عقد عليها بالمدينة ، وزوجه منها عثمان بن عفان ، وماتت بالمدينة سنة أربع وأربعين ، روى عنها جماعة كثيرة .

وأما جويرية ، فهي بنت الحارث بن حزام ، سباها النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها فقضى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابتها ثم أعتقها وتزوجها ، وكان اسمها برة فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية ، وماتت في ربيع الأول سنة ست وخمسين ، ولها خمس وستون سنة ، روى عنها ابن عباس وابن عمر وجابر .

وأما ميمونة فهي بنت الحارث الهلالية العامرية ويقال إن اسمها كان برة فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة : وكانت تحت مسعود بن عمرو الثقفي في الجاهلية ، ففارقها فتزوجها أبو درهم وتوفي عنها فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة سنة سبع في عمرة القضاء بسرف على عشرة أميال من مكة وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي تزوجها فيه بسرف سنة إحدى وستين ، وقيل إحدى وخمسين ، وقيل غير ذلك ، وصلى عليها ابن عباس ، وهي أخت أم الفضل امرأة العباس ، وأخت أسماء بنت عميس ، وهي آخر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، روى عنها جماعة منهم : عبد الله بن عباس كذا في الأسماء للمؤلف .

[ ص: 3993 ] ( فكلم حزب أم سلمة ) ، أي : إياها والمعنى فكلمنها ( فقلن لها : كلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلم الناس ) : بالرفع على ما في نسخة السيد ، على أنه استئناف تعليل ، وقال ابن حجر : بالجزم ، والميم مكسورة لالتقاء الساكنين ، ويجوز الرفع . قلت : الصواب الرفع لقوله ( فيقول ) : والمعنى ليكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول لهم : ( من أراد أن يهدي ) : بضم الياء وكسر الدال أي : يرسل هدية ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليهده ) : وضع السيد في نسخته علامة الشك فوق الضمير ، وفيه أنه يستوي وجوده وعدمه في المعنى المراد ، نعم قد يحذف ضمير المفعول لكن النسخ اجتمعت على وجوده وهو أوضح من تقديره ، فلا وجه للشك وتنظيره ، والمعنى فليرسل مهداه أي هديته ( إليه ) ، أي : إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( حيث كان ) . أي من حجرات الأمهات ومرادهن أنه لا يقع التحري في ذلك لا لهن ولا لغيرهن ، بل بحسب ما يتفق الأمر فيهن ليرتفع التمييز الباعث للغيرة عنهن ( فكلمته ) ، أي أم سلمة ( فقال ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لها : لا تؤذيني في عائشة " ) ، أي في حقها ، وهو أبلغ من لا تؤذي عائشة لما يفيد من أن ما آذاها فهو يؤذيه ( " فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة " ) ، أي : لحاف زوجة ( " إلا عائشة " ) . قال الطيبي : إلا بمعنى غير أي امرأة غير عائشة . اهـ . والمعنى إلا في ثوب عائشة ففي كتاب الخميس ، قالت عائشة : نزلت إنك لا تهدي من أحببت وأنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللحاف ( قالت ) ، أي : أم سلمة ( أتوب إلى الله من أذاك ) ، أي : مما يجر إلى أذاك ( يا رسول الله ! ثم إنهن ) ، أي : حزب أم سلمة ( دعون فاطمة ) ، أي : طلبنها ( فأرسلن ) ، أي : فبعثنها ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : لتكلمه في هذه القضية ( فكلمته ) ، ولعلها ما اطلعت على قصة أم سلمة السابقة ( فقال : " يا بنية " ) : تصغير للشفقة والمرحمة ( " ألا تحبين ما أحب ؟ " قالت : بلى . قال : " فأحبي هذه " ) . أي عائشة يعني ولا تذكري ما يكون سببا لكراهية خاطرها ( متفق عليه ) . ورواه النسائي .

( وذكر حديث أنس " فضل عائشة على النساء " ) : تمامه : " كفضل الثريد على سائر الأطعمة " . ( " في باب بدء الخلق برواية أبي موسى ) . وتقدم الخلاف في أن المراد بالنساء جنسهن ، أو أزواجه - صلى الله عليه وسلم - عموما أو بعد خديجة ، والأظهر أنها أفضل من جميع النساء كما هو ظاهر الإطلاق من حيث الجامعية للكمالات العلمية والعملية المعبر عنهما في التشبيه بالثريد ، فإنما يضرب المثل بالثريد لأنه أفضل طعام العرب ، وأنه مركب من الخبز واللحم والمرقة ، ولا نظير لها في الأغذية ، ثم إنه جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ ، وسرعة المرور في الحلقوم والمريء ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها المثل به ليعلم أنها أعطيت مع حسن الخلق ، وحسن الخلق ، وحسن الحديث ، وحلاوة المنطق ، وفصاحة اللهجة ، وجودة القريحة ، ورزانة الرأي ، ورصانة العقل التحبب إلى البعل ، فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها وإلى غير ذلك من المعاني التي اجتمعت فيها ، وحسبك من تلك المعاني أنها عقلت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم تعقل غيرها من النساء ، وروت عنه ما لم يرو مثلها من الرجال ، والله أعلم بالحال .

[ ص: 3994 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية