صفحة جزء
6218 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض . رواه البخاري .


6218 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار " ) في شرح السنة : ليس المراد منه الانتقال على النسب الولادي ، لأنه حرام مع أن نسبه - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنساب وأكرمها ، وإنما أراد به النسب البلادي ، ومعناه لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية لا يسعني تركها لأنها عبادة كنت مأمورا بها لانتسبت إلى داركم ، ولانتقلت عن هذا الاسم إليكم . وقيل : أراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام إكرام الأنصار ، والتعريض بأن لا رتبة بعد الهجرة أعلى من النصرة ، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغا لولا أنه - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين إلى المدينة لعد نفسه من الأنصار لكرامتهم عند الله تعالى ، وتلخيصه : لولا فضلي على الأنصار بسبب الهجرة لكنت واحدا منهم ، وهذا تواضع منه - صلى الله عليه وسلم - وحث للناس على إكرامهم واحترامهم ، لكن لا يبلغون درجة المهاجرين السابقين الذين أخرجوا من ديارهم ، وقطعوا عن أقاربهم وأحبابهم ، وحرموا أوطانهم وأموالهم - وهم [ ص: 4009 ] رضي الله عنهم - ما نالوا ذلك بآلة - لأجل رضا الله ورسوله وإعلاء لدين الله وسنة رسوله ، والأنصار وإن اتصفوا بصفة النصرة والإيثار والمحبة والإيواء ، ولكنهم مقيمون في مواطنهم ساكنون مع أقاربهم وأحبابهم ، وحسبك شاهدا في فضل المهاجرين قوله هذا ، لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها نبي مهاجري لأنصاري ( " ولو سلك الناس واديا " ) ، أي : طريقا حسيا أو معنويا ( " وسلكت الأنصار واديا " ) ، أي : سبيلا آخر ( " أو شعبا " ) : بكسر فسكون شك من الراوي إذ مآلهما واحد ( " لسلكت وادي الأنصار أو شعبها " ) : أي في شعب جماعة الأنصار ، وتركت سلوك وادي سائر الناس . قال الخطابي : أراد أن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب ، فإذا ضاق الطريق عن الجميع فسلك رئيس شعبا اتبعه قومه حتى يفضوا إلى الجادة ، وفيه وجه آخر وهو أنه أراد بالوادي الرأي والمذهب ، كما يقال : فلان في واد وأنا في واد ، قيل : أراد - صلى الله عليه وسلم - لذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم ، لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد وحسن الجوار ، وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع ( " الأنصار شعار " ) : بكسر أوله ويفتح وهو الثوب الذي يلي شعر البدن ( والناس دثار ) بكسر الدال وهو الثوب الذي فوق الشعار ، شبه الأنصار بالشعار لرسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ، والمعنى أنهم أقرب الناس إلي مرتبة وأولاهم مني منزلة ( " إنكم " ) : التفات إليهم متضمن للترحم عليهم ( " سترون بعدي أثرة " ) : بفتحتين وبضم فسكون أي : استئثارا يستأثر عليكم أمراؤكم بأمور الدنيا من المغانم والفيء ونحوهما ، ويفضل عليكم غيره نفسه أو من هو أدناكم ( " فاصبروا " ) ، أي : على ذلك الاستئثار ( " حتى تلقوني على الحوض " ) ، أي : حينئذ يحصل جر خاطركم المتعطش إلى لقائي يسقيكم شربة لا تظمأون بعدها أبدا ( رواه البخاري ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية