صفحة جزء
6225 - وعن علي قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد وفي رواية وأبا مرثد بدل المقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب قالت : ما معي من كتاب . فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا حاطب ما هذا ؟ فقال : يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهلهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه قد صدقكم ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم قد وجبت لكم الجنة . " وفي رواية قد غفرت لكم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " . متفق عليه .


6225 - ( وعن علي - رضي الله عنه - قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا ) : كذا في جميع النسخ الحاضرة ، والظاهر إياي فكأنه من باب استعارة المرفوع للمنصوب ( والزبير ) أي : ابن العوام ، وقد سبق ذكره في العشرة ( والمقداد ) . بكسر الميم ، وهو ابن عمرو الكندي ، وذلك أن أباه حالف كندة فنسب إليها ، وإنما سمي بأبي الأسود لأنه كان حليفه ، أو لأنه كان في حجره ، وقيل : بل كان عبدا فتبناه ، وكان سادسا في الإسلام . روى عنه علي وطارق بن شهاب وغيرهما ، مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة ، فحمل على رقاب الناس ، ( دفن بالبقيع سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين . ( وفي رواية : وأبا مرثد بدل المقداد ) : بفتح الميم والمثلثة وسكون راء بينهما . قال المؤلف : هو كناز بن حصين ، ويقال ابن حصين الغنوي مشهور بكنيته ، شهد بدرا هو وابنه مرثد ، وهو من كبار الصحابة ، روى عن حمزة ، وعنه واثلة بن الأسقع ، وعبد الله بن عمر ، كانت سنة اثني عشرة . وقال السيد جمال الدين : هو وابنه حليفا حمزة بن عبد المطلب . قال الواقدي وابن إسحاق : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبادة بن الصامت . قال محمد بن سعد : شهد أبو مرثد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات بالمدينة في خلافة أبي بكر الصديق ، وهو ابن ست وستين سنة ، ثم الحاصل من الجمع بين الروايتين أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث الأربعة إلا أن المذكور في بعض الروايات المقداد ، وفي بعضها أبو مرثد . وتوضيحه ما قال الطيبي : إنه لم يرد بذلك أن المبدل منحى ، بل المراد أنه ذكر في رواية هذا ، وفي رواية ذاك ، لأن الأربعة قد بعثوا لهذا الأمر . انتهى : ولا يخفى أن المبدل منحى في الرواية الثانية ، ولذا قال بدل المقداد‌ ، وإن كان في نفس الأمر غير منحى عن المراد ، وفي شرح مسلم : وعن علي - رضي الله عنه - قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا مرثد الغنوي ، والزبير بن العوام . وفي الرواية السابقة : والمقداد بدل أبي مرثد ، ولا منافاة ، بل بعث الأربعة : عليا والزبير والمقداد وأبا مرثد ( فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ " ) بخاءين معجمتين مصروفا وقد لا يصرف . قال الطيبي بالخاءين المعجمتين هو الصواب ، وهي موضع بين مكة والمدينة بقرب المدينة . وفي القاموس : وخاخ يصرف ويمنع ( " فإن بها ظعينة " ) ، أي : امرأة اسمها سارة ، وقيل أم سارة مولاة لقريش ( " معها كتاب " ) ، أي : مكتوب من أهل المدينة إلى أهل مكة ( " فخذوه منها " فانطلقنا تتعادى ) ، أي : تتسابق ( بنا خيلنا حتى أتينا إلى الروضة ) ، أي : روضة خاخ ( فإذا نحن بالظعينة ) ، أي : المرأة ( فقلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي من كتاب ) : من زائدة لمزيد تأكيد النفي .

[ ص: 4013 ] ( فقلنا : لتخرجن ) : بفتح لام فضم فسكون فكسرتين وتشديد نون أي : لتظهرن ( الكتاب أو لتلقين ) : بفتح فضم فسكون فكسر ففتح فتشديد وفي نسخة صحيحة بكسر التحتية ، وفي نسخة بحذفها وهو ظاهر أي : لترمين ( الثياب ) : وتتجردن عنها ليتبين لنا الأمر ، وفي نسخة بصيغة المجهول ، ورفع الثياب وهو ظاهر أيضا . قالميرك : كذا جاءت الرواية بإثبات الياء مكسورة ومفتوحة . فإن قلت : القواعد العربية تقتضي أن تحذف تلك الياء ، ويقال : لتلقن . قلت : القياس ذلك ، وإذا صحت الرواية بالياء فتأويل الكسر أنها لمشاكلة لتخرجن ، والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وفي بعض النسخ بفتح القاف ورفع الثياب ، كذا قاله الكرماني في شرح البخاري ، وقال الشيخ ابن حجر العسقلاني ، في شرحه : كذا فيه بإثبات الياء والوجه حذفها . وقيل : إنما ثبتت لمشاكلة لتخرجن . قال : ويظهر لي أن صواب الرواية لتلقين الثياب بالنون بلفظ الجمع ، وهو ظاهر جدا لا شك فيه البتة ، ولا يحتاج إلى تخريج تكلف ، والله أعلم . انتهى كلامه . أقول : ويريده ما وقع عند البخاري في باب فضل من شهد بدرا بلفظ : لتخرجن الكتاب أو لنجردنك . انتهى .

( فأخرجته من عقاصها ) ، وهو بكسر العين جمع عقيصة وهي الشعر المضفور . قال العسقلاني : والجمع بينه وبين رواية ( أخرجته من حجزتها ) بضم الحاء وسكون الجيم وبالزاي أي : معقد الإزار لأن عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها ، فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها ( فأتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه ) ، أي : في الكتاب ( من حاطب ) : بكسر الطاء ( ابن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ) : قال الطيبي : ليس هذا حكاية المكتوب ، بل هو من كلام الراوي ، وضع موضع قوله : إلى فلان وفلان وفلان ( من أهل مكة ، يخبرهم ) ، أي : حاطب أو مكتوبه مجازا ( ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . أي : ببعض شأنه وحاله ، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويريدكم فخذوا حذركم ، فنزل جبريل فأخبره ( فقال رسول الله ) ، أي : لحاطب ( " ما هذا " ) ؟ أي : الفعل الشنيع ( فقال : يا رسول الله ! لا تعجل علي ) ، أي : في الحكم بالكفر ونحوه ، ثم استأنف يبين عذره في فعله بقوله : ( إني كنت امرأ ملصقا ) : بصيغة المجهول أي حليفا ( في قريش ) ، أي : فيما بينهم ( ولم أكن من أنفسهم ) : قال النووي : وكان حليف الزبير بن العوام ( وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة ) ، أي : ذوو قرابة أي : أقارب أو قرابة مع ناس ( يحمون ) ، أي : الأقارب أو الناس الذين أقاربهم يحفظون ويراعون ( بها ) ، أي : بتلك القرابة ( أموالهم ) ، أي : أموال المهاجرين ( وأهلهم بمكة ) ، يحتمل أن يكون ظرفا ليحمون ، والأقرب أن التقدير أموالهم وأهليهم الكائنين بمكة ( فأحببت إذ فاتني ذلك ) ، أي : القرب ( من النسب فيهم ) ، أي : في قريش . قال الطيبي : إذ فاتني تعليل وقع بين الفعل ومفعوله وهو قوله : ( أن أتخذ فيهم يدا ) ، أي : صنيعة ( يحمون ) ، أي : قريش ( بها ) ، أي : بتلك اليد ( قرابتي ) أي : الكائنة بمكة . قال الطيبي ، قوله : يحمون صفة ( يدا ) ، وأراد باليد يد إنعام أو قدرة ( وما فعلت ) ، أي : ذلك ( كفرا ) ، أي : أصليا ( ولا ارتدادا عن ديني ) أي : حادثا ( ولا رضا بالكفر ) ، أي : بوجوده ( بعد الإسلام ) . أي : بعد حصوله وهو تأكيد لما قبله أو تعميم لأنواع حدوث الكفر ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) أي : خطابا للأصحاب ( إنه قد صدقكم " ) بتخفيف الدال أي : قال الصدق ( فقال عمر : دعني ) ، أي : اتركني ( يا رسول الله ! أضرب ) : بالجزم أي أقطع ( عنق هذا المنافق ) . وإنما قال ذلك مع تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاطب في معذرته لما كان عند عمر من قوة في الدين وبغض من ينتسب إلى النفاق ، وظن أن من خالف ما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 4014 ] استحق القتل ، لكنه لم يجزم بذلك ، فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر ، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا ولا ضرر فيه ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه " ) ، أي : حاطبا ( قد شهد بدرا ) أي : حضره ( " وما يدريك " ) ، أي : أي شيء يعلمك أنه مستحق للقتل ( " لعل الله اطلع " ) : بتشديد الطاء أي : أقبل ( " على أهل بدر " ) : ونظر إليهم نظر الرحمة والمغفرة ( " فقال : اعملوا ما شئتم " ) ، أي : من الأعمال الصالحة والأفعال النافلة قليلة أو كثيرة ( " قد وجبت لكم الجنة " ) . أي : ثبتت أو وجبت بموجب إيجابي من الوعد الواجب وقوعه .

قال الطيبي : معنى الترجي فيه راجع إلى عمر - رضي الله عنه - لأن وقوع هذا الأمر محقق عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوثر على التحقيق بعثا له على التفكر والتأمل ، فلا يقطع الأمر في كل شيء انتهى . والأقرب أن ذكر لعل لئلا يتكل من شهدبدرا على ذلك وينقطع عن العمل بقوله : اعملوا ما شئتم ، فإن المراد به إظهار العناية لا الترخص لهم في كل فعل ، بل الحديث الآتي عن حفصة صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في مقام الرجاء لا في حال القطع والله أعلم .

( وفي رواية : " فقد غفرت لكم " ) : وهي أرجى مما قبلها كما لا يخفى ، قال النووي : هذا في الآخرة وأما في الدنيا فلو توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه ، وقد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مسطح حد الفرية ، وكان بدريا ، وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجواز هتك أستار الجواسيس وقراءة كتبهم ، وفيه هتك ستر المفسد إذا كان فيه مصلحة ، أو كان في الستر مفسدة ، وما فعله حاطب كان كبيرة قطعا ; لأنه يتضمن إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى : " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ولا يجوز قتله لأنه لا يكفر به . انتهى كلامه . وفيه : أنه لو ارتكب كبيرة متضمنة لأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان كفرا ، فالصواب أنه لم يقصد به أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إنما قصد دفع أذى الكفار عن قرابته على ظن أنه لا يضر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الإبلاغ ، وقد صدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك نعم قصر في اجتهاده حيث أخفى أمره ، ولم يستأذن منه - صلى الله عليه وسلم - في فعله ذلك ، والله أعلم . ( فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي ، أي : الذين أعاديهم وعدوكم ، أي : الذين يعادونكم وهم الكفار أولياء أي : أحباء وما بعده : تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله الآية . وإنما عم الخطاب ليدخل فيه أمثال حاطب ، ولذا قيل فيه العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية