صفحة جزء
باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

الفصل الأول

6266 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أم له ، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم ، وفي رواية قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان له بياض فمروه فليستغفر لكم . رواه مسلم .


( باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني ) في المغرب : اليمن مأخوذ من اليمين بخلاف الشام ، لأنها بلاد على يمين الكعبة والنسبة إليها يمني بتشديد الياء أو يماني بالتخفيف على تعويض الألف من إحدى يائي النسبة وفي القاموس : اليمن محركة ما على يمين القبلة من بلاد الغور ، وهو يمني ويماني ويمان ، والشام بلاد عن مشاءمة القبلة ، وسميت بذلك لأن قوما من بني كنعان تشاءموا إليها أي تياسروا ، أو سمي بشام بن نوح ، فإنه بالشين بالسريانية ، أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود ، وعلى هذا لا يهمز وقد يذكر . قلت : وعلى الأول يهمز ويجوز إبدالها ، وهو الأشهر في الاستعمال ، والأشمل للمعاني ، ثم المراد بذكر اليمن والشام أعم من أن يكون الحديث متعلقا بذكر المكانين أو بأهليهما ، فقوله : وذكر أويس القرني تخصيص بعد تعميم للتشريف ، ثم القرني بفتحتين ، ففي القاموس : القرن بفتح فسكون ميقات أهل نجد ، وهي قرية عند الطائف ، واسم الوادي كله ، وغلط الجوهري في تحريكه ، وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده .

الفصل الأول 6266 - ( عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس ) : تصغير أوس ( " لا يدع " ) ، أي : لا يترك ( باليمن غير أم له ) : والمعنى أنه ليس له أهل وعيال في اليمن .

[ ص: 4035 ] غيرها ، وإنما منعه عن الإتيان إلينا خدمتها ، ( " قد كان به " ) ، أي : بأويس ( " بياض " ) ، أي : برص ( " فدعا الله فأذهبه إلا موضع الدينار أو الدرهم " ) ، شك من الراوي ، ولعله أبقاه للعلامة كما قيل في ظفر آدم : أنه أثر من جلده السابق ، أو ترك ذاك البعض ليكون سبب تنفره ، ولهذا كان يحب الخمول والعزلة ويكره الشهرة والخلطة . ( " فمن لقيه منكم فليستغفر لكم " ) . قال النووي : هذه منقبة ظاهرة لأويس القرني ، وفيه طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح ، وإن كان الطالب أفضل منهم . أقول : وفي رواية لمسلم عن عمر أنه قال لأويس القرني : سمعت ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من اليمن من مراد ثم من قرن كان فيه برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة وهو لها بر لو أقسم على الله لأبره ، فلو استطعت أن يستغفر لك فافعل " فاستغفر لي فاستغفر له .

( وفي رواية قال ) ، أي : عمر ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن خير التابعين " ) ، أي : من حيث أنه من المخضرمين ، وحصل له مانع شرعي عن حضور حضرته ونور طلعته - صلى الله عليه وسلم - . ( " رجل يقال له أويس " ) ، قال النووي : والحديث يدل على أنه خير التابعين ، وقال أحمد بن حنبل وغيره : أفضل التابعين سعيد بن المسيب ، والجواب أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في كونه أكثر ثوابا عند الله تعالى .

( " وله والدة " ) ، أي : أم ، وهو بار لها ( " وكان به بياض " ) ، أي برص وذهب الله به أي : أذهبه كله إلا قدر اليسير ، وفيه معجزة ظاهرة ( " فمروه " ) ، أي : فالتمسوه أو مروه بناء على أمرنا إياكم أو إياه ( " فليستغفر لكم " ) . قال ابن الملك : أمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه باستغفار أويس لهم وإن كان الصحابة أفضل من التابعين ليدل على أن الفاضل يستحب له أن يطلب الدعاء من المفضول ، أو قاله - صلى الله عليه وسلم - تطيبا لقلبه ; لأنه كان يمكنه الوصول إلى حضرته ، لكن منعه بره لأمه ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - به ليندفع به أنه مسيء في التخلف اهـ . وهو لا ينافي ما نقل أنه ترك أمه وجاء واجتمع بالصحابة فإن امتناعه من الإتيان كان بعذر عدم من يكون في خدمتها وقائما بمؤنتها ، فلما وجد السعة توجه إلى الصحابة أو لما فرض حجة الإسلام تعين مأتاه أو أذنت له بالسير في سبيل الله . ( رواه مسلم ) .

وفي الرياض ، عن أسيد بن جابر قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن يسألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال ألك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة وهو لها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فاستغفر لي فاستغفر له ، فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها . قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي . قال : فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم ، فوافق عمر فسأله عن أويس فقال : تركته رث البيت قليل المتاع . - صلى الله عليه وسلم - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث . ثم قال : " فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسا فقال : استغفر لي ، فقال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم ، فاستغفر له ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه . أخرجه مسلم اهـ . ولا يخفى أن وجه خفائه أنه كان مستجاب الدعوة في مادة الاستغفار ، ولو كان ظاهر التوجه إليه البر والفاجر مستورا أو غيره ، فلا يمكنه الاستغفار للكل ، ولا امتناعه عن البعض لما يوجب من الإيحاش وكشف الحال والله أعلم بالأحوال . وروى الحاكم عن علي مرفوعا " خير التابعين أويس " . روى ابن عدي عن ابن عباس : " سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني وأن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر .

[ ص: 4036 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية