صفحة جزء
642 - وعن أبي محذورة - رضي الله عنه - ، قال : ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه . فقال : " قل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم تعود فتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح . الله أكبر ، الله أكبر . لا إله إلا الله ) . رواه مسلم .


642 - ( وعن أبي محذورة ) : اسمه : سمرة أو سلمة بن مغيرة قاله ميرك ( قال : ألقى ) : أي : أملى ( علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ) : قال الطيبي : أي لقنني كل كلمة من هذه الكلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني أبو محذور تصوير تلك الحالة ، ولهذا عدل عن الماضي إلى المضارع في قوله : ثم تعود فتقول اهـ . والظاهر أنه عدول عن الأمر إلى المضارع لقوله ( فقال : ( قل ) : وبيانه أن ( ثم تعود ) عطف على ( قل ) لا على ( ألقى ) فتأمل ( الله أكبر ) : بسكون الراء ، وترفع ذكر في النهاية والغريبين : أن الراء في أكبر ساكنة في الأذان والصلاة كذا سمع موقوفا غير معرب في مقاطعه كقولهم : حي على الصلاة حي على الفلاح ، وقال ابن حجر : يسن للمؤذن الوقف على كل كلمة من هذه الأربعة وكذا ما بعد ما لأنه روي موقوفا وإن وصل على خلاف السنة ، فالذي عليه الأكثرون ضم الراء واختار المبرد فتحها ، ووجهه أن الفتح أخف ، وهو مستلزم تفخيم لام الجلالة كما حقق في : ( الم الله ) وإلا فالقاعدة المشهورة أن الساكن إذا حرك حرك بالكسر كما في لم يكن الذين و ( قل اللهم ) ( الله أكبر ) : أي : أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته ، أو من أن ينسب إليه مما لا يليق بجلاله ، أو من كل شيء وفي الغريبين قيل : معناه الله كبير ، وبين بعض المحققين أن أفعل قد يقطع عن متعلقه قصدا إلى نفس الزيادة وإفادة المبالغة ونظيره : فلان يعطي ويمنع أي : توجد حقيقتهما فيه ، وإفادة المبالغة من حيث إن الموصوف تفرد بهذا الوصف وانتهى أمره فيه إلى أن لا يتصور له من يشاركه فيه ، وعلى هذا يحمل كل ما جاء من أوصاف الباري - جل وعلا - نحو : أعلم . وقال ابن الهمام : إن أفعل وفعيلا صفاته تعالى سواء ; لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة ، لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء ، فكان أفعل بمعنى فعيل ، لكن في المغرب : الله أكبر من كل شيء ، وتفسيرهم إياه بالكبير ضعيف ، ويمكن أن يكون المراد من كون كبير وأكبر واحدا في صفاته أن المراد من الكبير المسند إليه الكبرياء بالنسبة إلى كل ما سواه ، وذلك بأن يكون كل ما سواه بالنسبة إليه ليس بكبير ، وهذا المعنى هو المراد بأكبر فتدبر ، ولكن لما كان هذا المعنى في أكبر أظهر لم يجوز بعضهم في التحريمة إلا أن يقال الله أكبر ( الله أكبر ، الله أكبر ) : أي : أكبر أربع مرات ، وابتدئ به ، لأن في لفظة الله أكبر مع اختصارها إثبات الذات وسائر ما يستحقه من الكمالات ، ولأن هذا الذكر مما يستحب أن يقال في كل مقام عال ، والغالب أن الأذان يكون في مكان مرتفع ، ولعل وجه تكريره أربعا إشارة إلى أن هذا الحكم جار في الجهات الأربع وسار في تطهير شهوات النفس الناشئة عن طبائعها الأربع ، ( أشهد ) : أي : أعلم وأبين ( أن لا إله ) : أي : لا معبود بحق في الوجود ( إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم تعود ) : أي : ترجع بهذه الكلمات ( فتقول ) : بالخطاب فيهما وهما فعلان بمعنى الأمر ( أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ) : قال الطيبي : إشارة إلى الترجيع وهو رفع الصوت بكلمتي الشهادة بعد الخفض بهما ، وهو سنة عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة يعني فإنه حمل على أنه كان تعليما فظن ترجيعا أي : قل أشهد أن لا إله إلا الله مرتين . وأشهد أن محمدا رسول الله مرتين . قال بعض علمائنا : وحديث أبي محذورة عند من لا يرى الترجيع مؤولا على أن أبا محذورة لم يرفع صوته بتلك الكلمات التي هي علم الإيمان ومنار التوحيد ، فأمره أن يرجع فيمد بها صوته ( حي على الصلاة ) : حي : اسم فعل بمعنى الأمر وفتحت ياؤه لسكون ما قبلها ( حي على الصلاة ) : قال الطيبي : أي : هلموا إليها وأقبلوا عليها ، وتعالوا مسرعين ، ومنه حديث ابن مسعود : إذا ذكر الصالحون فحيعلا لعمر أي : ابدأ به واعجل بذكره ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة . أقول : لما قيل حي أي أقبل قيل له : على أي شيء ؟ أجيب : على الصلاة . ذكر نحوه الكشاف في قوله تعالى : هيت لك

‌‌ [ ص: 549 ] ( حي على الفلاح ، حي على الفلاح ) : أي : الخلاص من كل مكروه ، والظفر بكل مراد . وقيل : الفلاح البقاء أي أسرعوا إلى ما هو سبب الخلاص من العذاب والظفر بالثواب والبقاء في دار المآب ، وهو الصلاة مطلقا أو مقيدا بالجماعة ( الله أكبر ، الله أكبر ) : كرره بما ختم به اقتصارا ( لا إله إلا الله ) : ختم به إشارة إلى التوحيد المحض اختصارا ، وليوافق النهاية إيماء إلى أنه الأول والآخر ( رواه مسلم ) : والأربعة وأحمد قاله ميرك .

اعلم أنه في متن صحيح مسلم عن أبي محذورة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، مرتين ، ثم يعود فيقول ، أي بالغيبة فيهما : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين . أشهد أن محمدا رسول الله مرتين . حي على الصلاة مرتين . حي على الفلاح مرتين . زاد إسحاق : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

قال النووي في شرح مسلم : هكذا وقع في الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله : الله أكبر الله أكبر مرتين فقط ، ووقع في غير مسلم أربع مرات .

قال ابن الهمام : روى أبو داود والنسائي التكبير في أوله أربعا ، وإسناده صحيح . قال القاضي عياض : ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات ، وبالتربيع قال أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد ، وجمهور العلماء . وبالتثنية قال مالك ، واحتج بهذا الحديث ، وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن ، واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة ، وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم . قال ابن الهمام : وروى الطبراني في الأوسط ، عن أبي محذورة يقول : ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا : الله أكبر الله أكبر إلخ . ولم يذكر ترجيعا فتعارضا فتساقطا ، ويبقى حديث ابن عمر ، وعبد الله بن زيد سلما من المعارض اهـ .

وفيه أن عدم ذكره في حديث لا يعد معارضا لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، والزيادة من الثقة مقبولة ، نعم لو صرح بالنفي كان معارضا ، مع أن المثبت مقدم على النافي ، وكأنه رحمه الله أراد أن يبين النقلة عن أبي محذورة تعارضا ، ولذا قال : وحديث ابن عمر ، وابن زيد سلما من المعارضة ، وإلا فهما لا يخلوان من المعارض أيضا والله أعلم .

وقال ابن الملك : الترجيع في الشهادتين سنة عند الشافعي كذا الحديث ، وعند أبي حنيفة ليس بسنة لاتفاق الروايات على أن لا ترجيع في أذان بلال وابن أم مكتوم إلى أن توفيا ، وأولنا الحديث بأن تعليمه - عليه السلام - أبا محذورة الأذان كان عقيب إسلامه ، فأعاد عليه السلام كلمة الشهادة وكررها ، لتثبت في قلبه ، فظن أبو محذورة أنه من الأذان اهـ . والحاصل أن التأويل أولى من التساقط ، والظاهر هو التأويل المذكور سابقا عن بعض علمائنا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية