صفحة جزء
الفصل الثاني

663 - عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ; اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ) .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والشافعي ، وفي أخرى له بلفظ " المصابيح "


الفصل‌‌‌ الثاني

663 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ) أي : متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام ، ومتحمل عنهم القراءة والقيام إذا أدركوا راكعين ، فالضمان هنا ليس بمعنى الغرامة ، بل يرجع إلى الحفظ والرعاية ، كذا قاله بعض علمائنا . وقال ابن حجر : وضمانهم إما لنحو الإسرار بالقراءة والجهر بها ، أو للدعاء ; بأن يعموا به ولا يخصوا به أنفسهم ، إلا فيما ورد ; كرب اغفر لي بين السجدتين ، أو لتحملهم نحو القراءة عن المسبوق والسهو عن الساهي ، أو بسقوط فرض الكفاية أقوال . ( والمؤذن مؤتمن ) قال القاضي : الإمام متكفل أمور صلاة الجمع ، يتحمل القراءة عنهم إما مطلقا عند من لا يوجب القراءة على المأموم ، أو إذا كانوا مسبوقين ويحفظ عليهم الأركان والسنن وأعداد الركعات ، ويتولى السفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء ، وعليه الاعتماد إذ بصلاح صلاته صلاحا لصلاتهم ، وبالعكس ، والمؤذن أمين في الأوقات يعتمد الناس على أصواتهم في الصلاة والصيام وسائر الوظائف المؤقتة ، نقله الطيبي . وقال ابن الملك : لأنهم يراعون ويحافظون من القوم صلاتهم ، لأنها في عهدتهم كالمتكلفين لهم صحة صلاتهم وفسادها وكمالها ونقصانها بحكم المتبوعية والتابعية ، ولهذا الضمان كان ثوابهم أوفر إذا راعوا حقها ، ووزرهم أكثر إذا خلوا بها ، أو المراد ضمان الدعاء ، والمؤذنون أمناء ; لأن الناس يعتمدون عليهم في الصلاة ونحوها ، أو لأنهم يرتقون في أمكنة عالية ، فينبغي أن لا يشرفوا على بيوت الناس لكونهم أمناء . ( اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ) ولفظ المصابيح : ( أرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين ) . قال الطيبي : دعاء أخرجه في صورة الخبر مبالغة ، وعبر بالماضي ثقة بالاستجابة كأنه استجيب فيه ، ويخبر عنه موجودا ، والمعنى أرشد الأئمة للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج عن عهدته واغفر للمؤذنين ما عسى يكون لهم تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم على الوقت ، أو تأخير عنه سهوا . قال الأشرف : يستدل بقوله : " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن " على فضل الأذان على الإمامة ، لأن حال الأمين أفضل من حال الضمين تم كلامه ، ورد : بأن هذا الأمين يتكفل الوقت فحسب ، وهذا الضامن يتكفل أركان الصلاة ويتعهد للسفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء ، فأين أحدهما من الآخر ; وكيف لا والإمام خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤذن خليفة بلال ، وأيضا الإرشاد الدلالة الموصلة إلى البغية والغفران

[ ص: 564 ] مسبوق بالذنب ، قاله الطيبي ، وهو مذهبنا وعليه جمع من الشافعية . ( رواه أحمد ، وأبو داود ) وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة ، قاله ميرك . ( والترمذي ) قال الترمذي : سمعت أبا زرعة يقول : حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح ، عن عائشة . قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : حديث أبي صالح ، عن عائشة أصح . وذكر علي بن المديني أنه قال : لا يثبت حديث أبي هريرة ، ولا حديث عائشة في هذا . ا ه . نقله ميرك .

وقال ابن حجر : هو حديث ضعيف ، وبه استدل جماعة من أصحابنا على ما نص عليه الشافعي في " الأم " من أن الأذان أفضل من الإمامة ، وعبارته : وأحب الأذان لحديث : " اللهم اغفر للمؤذنين " وأكره الإمامة للضمان ، وما على الإمام فيها ، وإنما استدلوا به مع ضعفه لأنه اعتضد برواية صححها ابن حبان والعقيلي ، وإن أعلها ابن المديني . وقال أحمد : ليس لها أصل ، الأئمة ضمناء ، والمؤذنون أمناء ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين ا ه .

وفيه أن الدعاء بالإرشاد أعلى من الدعاء بالمغفرة ; لأن الغفران يستدعي سبق ذنب ، والإرشاد يستدعي وصول البغية . وقول ابن حجر : " إنه ممنوع فيهما كما هو جلي " - مدفوع بأنه غير خفي ، فضلا عن أنه جلي ، بل إنه بديهي لا نظري ، وأغرب الماوردي . في توجيهه حيث قال : دعا للإمام بالإرشاد خوف تقصيره ، وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله ، وأما ما ورد في فضيلة الأذان مما تقدم ويأتي ، ونحو خبر أحمد : " لو يعلم الناس ما لهم في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف " ، فلا يدل على أفضلية الأذان خلافا لما وهم ابن حجر ، وأما خبر الحاكم وصححه هو وابن شاهين : " إن خياركم عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله " ، فلا خصوصية له بالمؤذن على ما فهم ابن حجر ، وأما ما صح عن عمر : لو كنت أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت ، فمراده الجمع بينهما ، فلا دلالة فيه على أفضلية الأذان كما ذكر ، بل على أفضلية الإمام ، ويدل على ما ذكرنا خبر الصحيحين : ( ليؤذن لكم أحدكم ويؤمكم أكبركم ) . وحديث النسائي : ( ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن ) وحديث ابن عدي ( ليؤمكم أحسنكم وجها فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقا ) . وأما حديث أبي داود ، وابن ماجه ( يؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم ) فالمراد بالخيار الصلحاء ، وبالقراء العلماء ، والعلماء أفضل الناس بعد الأنبياء ، ولأن القيام بحقوق الإمامة أشق فهو أفضل مآبا وأجزل ثوابا ، وهذا كله بعد القيام بحق كل منهما ، فلا وجه لقول آخرين حيث قالوا : إن قام بحقوق الإمامة فهي أفضل ، وإلا فالأذان أفضل ، إذ لا يصح هذا الإطلاق ، والعجب من ابن حجر أنه حرره وقرره . ( والشافعي ) ولعل تأخير الإمام الشافعي عن المخرجين المذكورين ، مع أنه أجل منهم رواية ودراية باعتبار صحة أسانيد كتبهم واشتهارها وقبول العامة لها . أما ترى أن البخاري ومسلما يتقدمان عليه ، بل على أستاذه الإمام مالك ، وما ذلك إلا لقوة صحة كتابيهما ، وتلقي الأمة لهما بالقبول . وقال ابن حجر : إنما أخره عنهم مع أنهم من جملة تلامذته ، أو تلامذة تلامذته ، ليفيد أن له رواية أخرى ، ولذا قال : ( وفي أخرى ) أي : رواية ( له ) أي للشافعي ( بلفظ : المصابيح ) وهو : " الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين " قال ابن الملك : الضمناء جمع الضمين بمعنى الضامن ، والأمناء جمع أمين ، وتفسير ابن حجر لفظ المصابيح بقوله : " وهو أرشد الله إلخ " تقصير منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية