صفحة جزء
( 7 ) باب المساجد ومواضع الصلاة

الفصل الأول

689 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ، دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة ، وقال : ( هذه القبلة ) . رواه البخاري .

[ ص: 583 ] 690 - ورواه مسلم عنه ، عن أسامة بن زيد .


( 7 ) باب المساجد ومواضع الصلاة

تعميم بعد تخصيص أو عطف تفسير ، والمسجد لغة محل السجود ، وشرعا : المحل الموقوف للصلاة فيه ، وقيل : الأرض كلها لخبر : جعلت لي الأرض مسجدا . ورد : بأن المراد بالمسجد فيه ، ما تجوز فيه الصلاة ; احترازا من بقية الأنام ، فإنهم كانوا لا تجوز لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم ، كما جاء في رواية ، وفي أخرى عند البزار : ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه . وقد روى ابن أبى شيبة : أن أبا ذر قال لابنه : يا بني ليكن المسجد بيتك ; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المساجد بيوت المتقين ، فمن يكن المسجد بيته ; تضمن الله تعالى له الروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة ) . وعن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن معقل : كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان . وعن ابن عمر : المساجد بيوت الله في الأرض ، وحق على المزور أن يكرم زائره . قال ابن حجر : ولا يعارض خبر أبي داود . وابن خزيمة في صحيحه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقر الغراب ، وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المقام أي : المكان من المسجد كما يوطن البعير . وفي رواية للنسائي : وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير ، وذلك لأن هذا الحديث مداره على تميم بن محمود ، وقد نظر فيه البخاري ، وأجاب عنه ابن حباب على تسليم صحته بأن النهي إنما هو عن اتخاذ محل واحد من المسجد لغير الصلاة والذكر ، واستدل لذلك بما أخرجه عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يوطن الرجل المسجد للصلاة والذكر ، وإلا تبشبش الله تعالى كما يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم ) . والتبشبش معناه هنا : أنه ينظر إليه بالرأفة والرحمة اهـ . والظاهر في الجواب أن النهي إنما هو عن اتخاذ مكان خاص من المسجد ، ولو لذكر الله والصلاة ، بحيث إنه لا يجلس في غيره ، فإنه يخاف عليه من الرياء ، والفضائل محمولة على اتخاذ المسجد مسكنا للصلاة ، وذكر الله ، لا لغرض آخر من الأغراض الدنيوية والحظوظ النفسية .

[ ص: 582 ] الفصل الأول

689 - ( عن ابن عباس قال : لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ) أي : الكعبة ، وهو بيت الله الحرام وقبلة المساجد العظام ، وأفضل مساجد الأنام ، وقيل : أفضل من عرش الله الملك العلام . . ( دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ) قال الطيبي : عامة العلماء على جواز النفل داخل الكعبة ; لحديث ابن عمر ، واختلف في الفرض ، فذهب الجمهور إلى جوازه ، ومنع منه مالك ، وأحمد ، وحكى عن محمد بن جرير أنه لا يجوز الفرض والنفل لحديث ابن عباس . قلت : في استدلاله نظر ; لأنه لا يلزم من عدم الصلاة عدم الجواز ، وأما منع مالك وأحمد الفرض دون النفل ; لقوله تعالى : فولوا وجوهكم شطره أي : قبالته ، ومن فيه مستدبر لبعضه ، فله وجه وجيه لحصول التعارض في الجملة ، ولم يثبت أنه عليه السلام صلى الفرض داخله ، وإن ثبت أنه عليه السلام صلى النفل ; إذ يسامح في النافلة ما لا يسامح في الفريضة ، وأما تعليل ابن حجر في تصوير استدلالهما بأنه لم يكن كله قبالته ، ثم رده وتزييفه بالإجماع على أن من صلى خارجها واستقبل بعضها فقط جاز - فمدخل ومعلول . قال الطيبي : وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم ، والمراد بالصلاة أي : المعهودة ، يعني لا اللغوية بمعنى الدعاء كما قيل ، ويؤيده قول ابن عمر : نسيت أن أسأله كم صلى . وأما نفي أسامة فيحتمل أنه اشتغل بالدعاء ولم يشعر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما بلال فقد تحققها . ( فلما خرج ركع ) أي : صلى ( ركعتين في قبل الكعبة ) : بضمهما ويسكن الثاني أي : مقدمها ، والقبل خلاف الدبر يعني : مستقبل باب الكعبة . قال ابن حجر : قيل معناه مقابلها ، وقيل ما استقبلك منها ، وهو وجهها الذي فيه الباب ، ويؤيد الثاني رواية ابن عمر في هذا الحديث وصلى ركعتين في وجه الكعبة ، وهي صحيحة ، وهل يؤخذ من ذلك أنه يسن لمن خرج من الكعبة أن يصلي ركعتين في وجهها اقتداء به عليه السلام أو لا ؟ لاحتمال أنه عليه السلام ، إنما صلى ليبين انحصار القبلة في عين الكعبة كما أفاده قول الراوي : ( وقال : ( هذه ) أي : الكعبة وهي البقعة التي فيها البناء ( القبلة ) سميت بها لأن المصلي يقابلها - يعني المشار إليه - القبلة فلا ينسخ إلى غيرها فصلوا إلى الكعبة أبدا . وقال ابن حجر : أي هذه الكعبة هي القبلة لا غيرها كما أفاده تعريف الجزأين ، وهي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله في الآية ، لا المسجد حولها ولا كل الحرم ، وخبر البيهقي في سننه : البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض ضعيف اهـ . وهو قول ضعيف في مذهبنا ، وأما ما اشتهر من فعل الداخلين أنهم يطوفون بعد دخولها فلا أصل له ، بل يتأكد في حقهم إذا دخلوا المسجد أن يطوفوا أولا ثم يدخلوا ثانيا ، ويحتمل وجها آخر وهو : أنه عليه السلام في مقام الإمام ، واستقباله الكعبة من وجه الكعبة دون أركانها وجوانبها الثلاثة ، وإن كانت مجزئة قاله الطيبي . قلت : هذا إنما يتم في الجملة لو كان صلى صلاة فرض جماعة . ( رواه البخاري ) قيل : في روايته توهم إرسال لأن ابن عباس لم يكن مع النبي في حين دخل ، ولعل العذر يقال باختلاف الزمان وتعدد دخوله عليه السلام ، أو أن الكاتب أسقط منه الذي روى عنه ابن عباس ، أو يقال : كان ابن عباس مع من دخل الكعبة ، لكنه لم يشعر بالصلاة ، ذكره الطيبي . وقال ميرك : وفي كل من هذه الاحتمالات نظر يعرف بالتأمل ، والله أعلم . وقال ابن حجر : وقدموا رواية بلال ; لأنها مثبتة وتلك نافية ، والمثبت مقدم لزيادة علمه ، ولأن رواتها أكثر ، والكثرة تفيد الترجيح في الرواية ، ولاضطراب تلك فقد أخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه ، عن ابن عمر : أخبرني أسامة بن زيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين . والدارقطني ، عن ابن عباس ، أنه صلى الله عليه وسلم دخله وصلى فيه ركعتين ، ولأن خبر ابن عباس هذا أعل بالإرسال لأنه رواه عن أخيه الفضل ، كما أخرجه الطبراني في معجمه فهو لم يرو عن مشاهدته ومشافهته ، بل عن غيره ، وبهذا يندفع قول من قال : في كون الحديث مرسلا بحث .

690 - ( ورواه مسلم عنه ) : أي عن ابن عباس ( عن أسامة بن زيد ) : قال ميرك : وكذا رواه النسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية