صفحة جزء
64 - وعنه قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ! قال : " أوقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم : قال : ( ذلك صريح الإيمان ) . رواه مسلم .


64 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال : جاء ناس ) أي : جماعة ( من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فسألوه : إنا نجد ) : واقع موقع الحال أي : لسألوه مخبرين إنا نجد ، أو قائلين على احتمال فتح الهمزة ، والكسر ، وقيل : على الفتح مفعول ثان اسألوه ، ثم الكسر أوجه حتى يكون بيانا للمسئول عنه ، وهو مجمل يفسره الحديثان الآتيان ( في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ) أي : نجد في قلوبنا أشياء قبيحة نحو : من خلق الله ؟ وكيف هو ؟ ومن أي شيء ؟ وما أشبه ذلك مما يتعاظم النطق به لعلمنا أنه قبيح لا يليق شيء منها أن نعتقده ، ونعلم أنه قديم ، خالق الأشياء ، غير مخلوق ، فما حكم جريان ذلك في خواطرنا ؟ [ ص: 137 ] وتعاظم : تفاعل بمعنى المبالغة ؛ لأن زيادة المبنى لزيادة المعنى ، فإن الفعل الواحد إذا جرى بين اثنين يكون مزاولته أشق من مزاولته وحده ، ولذا قيل : المفاعلة إذا لم تكن للمبالغة فهي للمبالغة أي : نستعظم غاية الاستعظام ، وقوله : أحدنا ؛ روي برفع الدال ، ومعناه يجد أحدنا التكلم به عظيما لقبحه ، ويجوز النصب على نزع الخافض أي : يعظم ، ويشق التكلم به على أحدنا ( قال : ( أوقد وجدتموه ) ؟ الهمزة للاستفهام التقريري ، والواو المقرونة بها للعطف على مقدر أي : ( حصل ذلك ) ، وقد وجدتموه ، والضمير لما يتعاظم أي : ذلك الخاطر في أنفسكم تقريرا وتأكيدا ، فالوجدان بمعنى المصادفة ، أو المعنى أحصل ذلك الخاطر القبيح ، وعلمتم أن ذلك مذموم غير مرضي فالوجدان بمعنى العلم . ( قالوا : نعم ) . قال : ( ذاك ) : إشارة إلى مصدر وجد أي : وجدانكم قبح ذلك الخاطر ، أو مصدر يتعاظم أي : علمكم بفساد تلك الوساوس ، وامتناع نفوسكم ، وتجافيها عن التفوه بها ( صريح الإيمان ) أي : خالصه يعني أنه أمارته الدالة صريحا على رسوخه في قلوبكم ، وخلوصها من التشبيه ، والتعطيل ؛ لأن الكافر يصر على ما في قلبه من تشبيه الله سبحانه بالمخلوقات ، ويعتقده حسنا ، ومن استقبحها ، وتعاظمها لعلمه بقبحها ، وأنها لا تليق به تعالى كان مؤمنا حقا ، وموقنا صدقا فلا تزعزعه شبهة ، وإن قويت ، ولا تحل عقد قلبه ريبة ، وإن موهت ، ولأن من كان إيمانه مشوبا يقبل الوسوسة ، ولا يردها . وقيل المعنى أن الوسوسة أمارة الإيمان ؛ لأن اللص لا يدخل البيت الخالي ، ولذا روي عن علي رضي الله عنه ، وكرم الله وجهه : أن الصلاة التي لا وسوسة فيها إنما هي صلاة اليهود ، والنصارى ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية