صفحة جزء
700 - وعن جابر رضي الله عنه ، قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ) . قالوا : نعم يا رسول الله ! قد أردنا ذلك . فقال : ( يا بني سلمة ! دياركم ، تكتب

آثاركم ، دياركم ، تكتب آثاركم
) . رواه مسلم


700 - ( وعن جابر قال : خلت البقاع ) : بكسر الباء ، وضبط بعضهم بالضم سهو قلم ( حول المسجد ) أي : أطرافه قريبا منه ( فأراد بنو سلمة ) كسر اللام قبيلة من الأنصار ، وكان بينهم وبين المسجد مسافة بعيدة ( أن ينتقلوا قرب المسجد ) بنزع الخافض أي : إلى مكان بقربه ( فبلغ ذلك ) أي : انتقالهم المفهوم من أن ينتقلوا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) : بالإخبار أو الوحي ( فقال لهم : ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ) . قالوا : نعم يا رسول الله ! قد أردنا ذلك . فقال : ( يا بني سلمة ! دياركم ) : بالنصب على الإغراء أي : الزموا دياركم ( تكتب ) يروى بالجزم على

[ ص: 593 ] جواب الزموا ، ويجوز الرفع على الاستئناف ، أو الحال لبيان الموجب ( آثاركم ) : جمع أثر ، وأثر الشيء حصول ما يدل على وجوده . قال تعالى : ونكتب ما قدموا وآثارهم أي : أجر خطاكم ، وثواب أقدامكم ، لكل خطوة درجة ، فكلما كان الخطا أكثر يكون الأجر أكثر ( دياركم ، تكتب آثاركم ) : كرره للتأكيد . قال الطيبي : بنو سلمة بطن من الأنصار ، وليس في العرب سلمة بكسر اللام غيرهم ، كانت ديارهم على بعد من المسجد ، وكان يجهدهم في سواد الليل وعند وقوع الأمطار واشتداد البرد ، فأرادوا أن يتحولوا قرب المسجد ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى جوانب المدينة فرغبهم فيما عند الله من الأجر على نقل الخطا ، والمراد بالكتابة أن تكتب في صحف الأعمال أي كثرة الخطا سبب لزيادة الأجر ، أو أن تكتب في كتب السير أي : تكتب قصتكم ومجاهدتكم في العبادة في كتب سير السلف ، فيكون سببا لحرص الناس على الجد والاجتهاد ( ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) الحديث اهـ . وفيه تنبيه على أن في الحديث معجزة له عليه السلام ، وإشارة إلى أن التكرار ليس للتأكيد ، بل بشارة إلى الكتابتين ( رواه مسلم ) .

قال ميرك : وأخرج البخاري قريبا من معنى هذا الحديث من طريق أنس ، لا من طريق جابر ، ولا ينافي هذا الحديث والذي قبله ما ورد : من أن شؤم الدار عدم سماعها للأذان ، لأن الشآمة من حيث إنه ربما أدى إلى فوات الوقت أو الجماعة ، والفضل من حيث كثرة الخطا المستلزمة لكثرة الأجر ، فالحيثية مختلفة ، وقد صرح ابن العماد بأن الدار البعيدة أفضل ، واستدل بما هنا ، وبخبر مسلم عن جابر : كانت ديارنا بائنة عن المسجد ، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقرب من المسجد ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن لكم بكل خطوة درجة ) . وروى مسلم أيضا : أن بعض الصحابة كان أبعدهم دارا فقيل له : ألا تركب ؟ قال : ما سرني أن منزلي بجنب المسجد إني أريد أن يكتب في ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ، فقال عليه السلام : ( قد جمع الله لك ذلك كله ) . وروى أحمد خبر : فضل الدار البعيدة عن المسجد على القريبة كفضل الفارس على القاعد . قال ابن حجر : ومحل ذلك فيمن لم يفته ببعد داره مهم ديني كتعليم علم وتعلمه ، ونحوها من فروض الكفايات ، وإلا فالقريبة أفضل في حقه كالضعيف عن المشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية