صفحة جزء
706 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد ; فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا ) . رواه مسلم .


706 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع رجلا ينشد ) : بوزن يطلب ومعناه ( ضالة في المسجد ) : متعلق بـ ينشد . أي : يطلبها برفع الصوت . قال الطيبي : نشدت الضالة أنشدها نشدة ونشدانا طلبتها ، وأنشدتها بالألف إذا عرفتها من النشد رفع الصوت ، ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد من البيع والشراء ، ونحو ذلك . وكان بعض السلف لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد . ( فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد ) تعليل للحكم ، ويحتمل أن يكون من جملة المقول ( لم تبن لهذا ) أي : لنشدان الضالة ونحوه ، بل لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن والوعظ ، حتى كره مالك البحث العلمي ، وجوزه أبو حنيفة وغيره ; لأنه مما يحتاج الناس إليه لأن المسجد مجمعهم ، قاله ابن الملك . قال ابن حجر : ويستثنى من ذلك عقد النكاح فيه ، فإنه سنة للأمر به . رواه الترمذي ( رواه مسلم ) : وأبو داود ، وابن ماجه . قاله ميرك .

[ ص: 598 ] قال ابن حجر : وفي رواية أنه عليه السلام سمع من ينشد في المسجد جملا أحمر فقال : ( لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له ) . وحسن الترمذي خبر : إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : ( لا أربح الله تجارتك ، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا : لا ردها الله عليك ) . قال : وكذا يندب أن يقال لمن أنشد شعرا مذموما : فض الله فاك ثلاثا ; للأمر بذلك ، رواه ابن السني ، ولا بأس بإعطاء السائل فيه شيئا للحديث الصحيح ، ( هل أحد منكم أطعم اليوم مسكينا ؟ ) فقال أبو بكر : دخلت المسجد فإذا أنا بسائل ، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن ، فأخذتها فدفعتها إليه ، وروى البيهقي أنه عليه السلام أمر سليكا الغطفاني بالصلاة يوم الجمعة في حال الخطبة ليراه الناس فيتصدقون عليه ، وأنه أمرهم بالصدقة وهو على المنبر .

قلت : لا دلالة في الحديث على أنه كان سائلا ، وإنما الكلام فيه ، وقد قال بعض السلف : لا يحل إعطاؤه فيه لما في بعض الآثار : ينادي يوم القيامة ليقم بغيض الله ، فيقوم سؤال المسجد . وفصل بعضهم بين من يؤذي الناس بالمرور ونحوه ، فيكره إعطاؤه ; لأنه إعانة له على ممنوع ، وبين من لا يؤذي فيسن إعطاؤه ; لأن السؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، حتى يروى أن عليا كرم الله وجهه تصدق بخاتمه وهو في الركوع ، فمدحه الله بقوله : يؤتون الزكاة وهم راكعون وفيه أنه ليس في الحديث ولا الآية أن إعطاء علي كان في المسجد ، والظاهر أن الخلاف خلاف عصر وزمان ; لاختلاف السائلين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية