صفحة جزء
712 - وعن عائشة رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . متفق عليه .


712 - ( وعن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه الذي لم يقم منه ) : قال الطيبي : كأنه - عليه السلام - عرف أنه مرتحل ، وخاف من الناس أن يعظموا قبره كما فعل اليهود والنصارى ، فعرض بلعنهم كيلا يعملوا معه ذلك ، فقال : ( لعن الله اليهود والنصارى ) : وقوله : ( اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) : سبب لعنهم إما لأنهم كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لهم ، وذلك هو الشرك الجلي ، وإما لأنهم كانوا يتخذون الصلاة لله تعالى في [ ص: 601 ] مدافن الأنبياء ، والسجود على مقابرهم ، والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة ; نظرا منهم بذلك إلى عبادة الله والمبالغة في تعظيم الأنبياء ، وذلك هو الشرك الخفي لتضمنه ما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن ذلك لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود ، أو لتضمنه الشرك الخفي ، كذا قاله بعض الشراح من أئمتنا ، ويؤيده ما جاء في رواية : ( يحذر ما صنعوا ) ، وقال القاضي : كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم ويجعلونها قبلة ، ويتوجهون في الصلاة نحوها ، فقد اتخذوها أوثانا ، فلذلك لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ، أما من اتخذ مسجدا في جوار صالح ، أو صلى في مقبرة وقصد الاستظهار بروحه ، أو وصول أثر ما من أثر عبادته إليه ، لا للتعظيم له والتوجه نحوه ، فلا حرج عليه ، ألا ترى أن مرقد إسماعيل - عليه السلام - في المسجد الحرام عند الحطيم ، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته ، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالقبور المنبوشة ، لما فيها من النجاسة ، كذا ذكره الطيبي وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل - عليه السلام - في الحجر تحت الميزاب ، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا ، وفيه أن صورة قبر إسماعيل - عليه السلام - وغيره مندرسة فلا يصلح الاستدلال به .

وقال ابن حجر : أشار الشارح إلى استشكال الصلاة عند قبر إسماعيل ، بأنها تكره في المقبرة ، وأجاب : بأن محلها في مقبرة منبوشة لنجاستها ، وكله غفلة عن قولهم : يستثنى مقابر الأنبياء ، فلا يكره الصلاة فيها مطلقا ; لأنهم أحياء في قبورهم ، وعلى التنزل فجوابه غير صحيح لتصريحهم بكراهة الصلاة في مقبرة غير الأنبياء ، وإن لم تنبش لأنه محاذ للنجاسة ، ومحاذاتها في الصلاة مكروهة ، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه .

وفي شرح السنة : اختلف في الصلاة في المقبرة فكرهها جماعة ، وإن كانت التربة طاهرة والمكان طيبا ، واحتجوا بهذا الحديث والذي بعده ، وقيل : بجوازها فيها ، وتأويل الحديث أن الغالب من حال المقبرة اختلاط تربتها بصديد الموتى ولحومها ، والنهي لنجاسة المكان ، فإن كان المكان طاهرا فلا بأس ، وكذلك المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق ، وفي القارعة معنى آخر ، وهو أن اختلاف المارة يشغله عن الصلاة ، قال ابن حجر : وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة بالمقبرة ، واختلفوا في هذا النهي هل هو للتنزيه أو للتحريم ؟ ومذهبنا الأول ، ومذهب أحمد التحريم ، بل وعدم انعقاد الصلاة ; لأن النهي عنده في الأمكنة يفيد التحريم والبطلان كالأزمنة ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية