صفحة جزء
757 - وعن عائشة رضى الله عنها ، قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة لها أعلام ، فنظر إلى أعلامها نظرة ، فلما انصرف ، قال : ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ) ، متفق عليه ، وفي رواية للبخاري ، قال : ( كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني )


757 - ( وعن عائشة قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة ) : في النهاية : الخميصة ثوب من صوف أو خز معلمة سوداء ، وقيل : لا تسمى خميصة إلا أن تكون معلمة ، وكانت من لباس الناس قديما ، قال التوربشتي : فعلى هذا قول عائشة ( لها ) ، أي : للخميصة ( أعلام ) : على وجه البيان والتأكيد ، ولا يبعد أن يكون من طريق التجريد ( فنظر إلى أعلامها نظرة ) ، أي : نظر عبرة ( أعلام ) : على وجه البيان والتأكيد ، ولا يبعد أن يكون من طريق التجريد ( فنظر إلى أعلامها نظرة ) ، أي : نظر عبرة ( فلما انصرف ) : أي عن الصلاة [ قال : ( اذهبوا بخميصتي هذه ) : وفي رواية : فلما فرغ من صلاته قال : ( ألهتني أعلام هذه اذهبوا بها ) . ( إلى أبي جهم ) : قرشي وعدوي كان أهداها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وأتوني بأنبجانية أبي جهم ) : وإنما طلب أنبجانيته بدلها لئلا يتأذى برد هديته ، وهي فتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتفتح وتشدد التحتية على ما في النسخ المصححة .

وقال ابن حجر : بكسر الهمزة وفتحها ، وفيه أنه مخالف للمحفوظ من الرواية والدراية ، ففي المعنى : هي بفتح الهمزة ، كساء لا علم له ، وفي القاموس : منبج كمجلس موضع ، وكساء منبجاني وأنبجاني بفتح بائهما نسبة على غير قياس ، وفي النهاية : المحفوظ في أنبجانية كسر الباء ، وهـو بفتحها وهو منسوب إلى " منبج " بلدة معروفة بالشام وهي مكسورة الباء ففتحت في النسب وأبدلت الميم بهمزة ، وقيل : منسوب إلى موضع يقال له : أنبجان وهو الأشبه ; لأن الأول فيه تعسف ، وهو كساء يتخذ من الصوف له خمل ، ولا علم له ، وهو من أدون الثياب الغليظة ، والهمزة فيها زائدة ، وقال الخطابي : إنها منسوبة إلى أذربيجان ، وقد حذف بعض حروفها وعرب ، قال القاضي : إنما أرسل إليه لأنه كان أهداها إياه ، فلما ألهاه علمها ، أي : شغله عن الصلاة بوقوع نظرة إلى نقوش العلم وألوانه ، أي : تفكر في أن مثل هذا للرعونة التي لا تليق به ردها إليه ، قال الأشرف : فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا ما في النفوس الطاهرة : قيل : وفيه إشارة إلى كراهية الأعلام التي يتعاطاها الناس على أردائهم . وقد نص عليها ( فإنها ) : أي : الخميصة ( ألهتني ) ، أي : شغلتني ( آنفا ) : بالمد ويقصر ، وقرئ بهما في السبعة قوله تعالى : ماذا قال آنفا ، أي : في هذه الساعة ( عن صلاتي ) ، أي : عن كمال حضورها . ( متفق عليه ) .

قال ميرك : فيه نظر لأنه ليس هذا الحديث في مسلم بهذا اللفظ ، وإنما هو لفظ البخاري ، ولفظ مسلم ، عن عائشة قال ميرك : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في خميصة ذات أعلام ، فنظر إلى أعلامها ، فلما قضى صلاته قال ( اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وأتوني بأنبجانيته فإنها ألهتني في صلاتي ) فانظر في اختلاف الألفاظ .

[ في رواية البخاري ، قال ( كنت أنظر إلى عملها وأنا في الصلاة فأخاف أن يفتنني ) : أي : بمعنى من الصلاة ويشغلني عن حضورها ، قال ابن حجر : أي يلهيني عن الصلاة لهوا أتم مما وقع منها ، وإلا فلا تنافي بين جزمه بوقوع الإلهاء بها ثم ، وخشية وقوعه بها هنا فتأمله ، وكأن ذلك هو حكمة التغاير بين الأسلوبين حيث عبر أولا بالإلهاء وثانيا بالفتنة اهـ .

وهو معنى حسن ، ويحتمل أن يكون المعنى ، فأخاف أن يوقعني في العذاب أو في فتنة تؤدي إليه قال تعالى : ذوقوا فتنتكم ، والأظهر أن يقال : معنى ألهتني أرادت أن تلهيني فلا ينافي قوله : فأخاف أن يفتتني بمعنى يلهيني ، بل يكون الثاني تفسيرا للأول ولذا قيل : إنه - عليه السلام - لم يتأثر بها ، وإنما فعل ذلك تشريعا لأمته وخوفا عليه من الإلهاء بالنظر إلى المخططات في صلاتهم ، لكن من زعم من الأمة أن قلبه لا يتأثر بذلك ، فقد جهل طريق السلوك لأنه لا يقاس الحدادون بالملوك ، وأما جزم ابن حجر بأن قلبه - عليه السلام - تأثر بذلك فغير صحيح ، وقول الأشرف تأثيرا إما إشارة إلى أنه أدرك أنه يؤثر ، ثم قال ابن حجر : قال بعض أئمتنا : يسن لمن صلى في ذلك أو إليه ، أو عليه أن يغمض بصره ، حتى لا يختل خشوعه وحضوره ، قلت : سبق منه أنه يكره أن يصلي فيه أو إليه أو عليه ، وتغميض العين في الصلاة من المكروهات ، فكيف يسن مكروه لدفع مكروه ، مع أن المكروه لا يندفع به والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية