صفحة جزء
777 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " ، هذا لفظ البخاري ، ولمسلم معناه .


777 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه " إذا صلى أحدكم إلى شيء " ) ، أي : من الأشياء المذكورة فيما تقدم ( " يستره من الناس " ) ، أي : في الجملة ، أو يستر حاله ونظره ويبعده منهم ويميزه بالصلاة لهم ( " فأراد أحد أن يجتاز " ) : من الجواز ، أي : يعبر ويمر ويتجاوز ( " بين يديه " ) ، أي : بينه وبين السترة ( " فليدفعه " ) ، أي : ندبا ، وقيل وجوبا بالإشارة أو وضع اليد على نحره ، وفي شرح المنية : ويدرأ المار إذ أراد أن يمر في موضع سجوده أو بينه وبين السترة بالإشارة أو التسبيح لا بهما معا اهـ .

وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على أنه لا يحل له العمل الكثير في مدافعته ، ثم ظاهر الحديث دفع المار مطلقا من غير استثناء مجنون وصبي ، ويؤيده حديث ابن ماجه ، ولو قيل بضعفه عن أم سلمة قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرتي فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة فقال بيده ، فرجع ، ثم مرت زينب بنت أبي سلمة صلى الله عليه فقال بيده هكذا فمضت ، فلما فرغ قال : هي أغلب ، وفي رواية : هن أغلب ( " فإن أبى " ) ، أي : امتنع ( " فليقاتله " ) ، أي : فليدفعه بالقهر ولا يجوز قتله : كذا قاله بعض علمائنا وقال ابن حجر : فإن أبى إلا بقتله فليقاتل ، وإن أفضي إلى قتله إياه ، ومن ثم جاء في رواية : فإن أبي فليقتله ، قال ابن الملك : فإن قتله عملا بظاهر الحديث ففي العمد القصاص وفي الخطأ الدية ، قال : وهذا أراد المرور بينه وبين السترة ، وإن لم يكن بين يديه سترة فليس له الدفع ; لأن التفريط منه بتركها ، وفيه دليل على أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة اهـ .

وقال القاضي عياض فإن دفعه بما يجور فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء ، وهل تجب الدية أو يكون هدرا ؟ فيه مذهبان للعلماء ، وهما قولان في مذهب مالك نقله الطيبي ، ( " فإنما هو شيطان " ) : من شياطين الإنس أو الجن أو فعله فعل شيطان ; لأنه يشوش المصلي ، قال الخطابي : معناه أن الشيطان حمله عليه أو هو شيطان ; لأن الشيطان هو مارد من الجن والإنس ( هذا لفظ البخاري ) : ورواه أبو داود قاله ميرك شاه ( ولمسلم معناه ) : واختلف فيما لو لم [ ص: 644 ] يجد طريقا سوى ما بين يدي المصلي ، والظاهر جواز دفعه لدفع أبي سعيد الخدري لمن أراد أن يمر بين يديه المرة بعد المرة ، مع أنه لم يجد طريقا ، فلما عوتب روى الحديث المذكور ، لكن هذا الخلاف حيث لم يقصر المصلي بأن صلى بقارعة الطريق ، فإنه حينئذ حل المرور بين يديه لتقصيره ، حتى جوزوا له المرور إلى الفرجة بين يدي الصف الثاني لتقصيرهم بتركها ، وهذا الحكم عام يشمل المسجد الحرام وداخل الكعبة ، وأما قول ابن حجر : ونحو الشارع وباب المسجد والدرب الضيق المحل الذي يغلب مرور الناس فيه في وقت تلك الصلاة ، ولو في المسجد كما هو ظاهر ، فليس بظاهر كما لا يخفى ; لأن المسجد محل العبادة ، ويختص بمن سبق إليه فليس لأحد أن يتعدى عليه ، وأما الشارع فموضوع لمرور العامة ويختص بمن يمر ، ولا يجوز التعدي عليه في مروره بدفعه ومنعه وأمره بالوقوف ونحوه ، ولذا قيل : أول بدعة أحدثت الطريق الطريق ، وفي معناه ظهرك وحاشاك ، فإذا صلى فيه أحد فتعدى عليه بمنع المرور فلا حرمة له حينئذ ، فالفرق ظاهر مبطل لقياسه ، ثم قال : فعلم أن الكعبة تكون سترة لمن صلى إليها في وقت يقل فيه طواف الناس جدا بخلاف ما يكثر فيه ازدحامهم كالصلاة في الطريق ، وعليه تحمل الأحاديث المصرحة بجواز المرور بين يديه اهـ .

وفيه بحث ; لأنه إن كان هذا بالقياس على الصلاة في الطريق كما ذكره فهو قياس باطل كما سبق ، وإن كان بالأحاديث المخصصة لعموم أحاديث الباب فهو مسلم ، لكن يحتاج إلى ذكره تلك الأحاديث لينظر فيها إسنادا ومتنا ولفظا ومعنى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية