صفحة جزء
( 10 ) باب صفة الصلاة .

الفصل الأول

790 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد ، فصلى ، ثم جاء فسلم عليه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وعليك السلام ، ارجع فصل ، فإنك لم تصل " فرجع فصلى ، ثم جاء ، فسلم ، فقال : " وعليك السلام ، ارجع فصل ، فإنك لم تصل " ، فقال في الثالثة - أو في التي بعدها - : علمني يا رسول الله فقال : " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبر ، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفي رواية : " ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " . متفق عليه .


( 10 ) باب صفة الصلاة .

المراد بها جنس صفتها الشاملة للأركان والفرائض والواجبات والسنن والمستحبات قال ابن الهمام : قيل الصفة والوصف في اللغة واحد ، وفي عرف المتكلمين بخلافه ، والتحرير ، الوصف ذكر ما في الموصوف من الصفة ، والصفة هي ما فيه ، ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها ، وهي الأجزاء الفعلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود .

[ ص: 650 ] 790 - ( عن أبي هريرة أن رجلا ) : قال ميرك : هذا الرجل هو خلاد بن رافع ، كما بينه ابن أبي شيبة ، وقال الأبهري : هو علي بن يحيى راوي الخبر قاله الشيخ ، قال ابن حجر العسقلاني : هو خلاد بن رافع الأنصاري ، وجاء أنه استشهد ببدر ، فعليه تكون القصة قبلها ، ولا تشكل عليه رواية أبي هريرة للقضية مع أنه إنما أسلم سنة سبع ، ووقعة بدر كانت في الثانية ; لأنه يحتمل أن أبا هريرة رواها عن بعض الصحابة الذين شاهدوها ، وما قيل إن المسيء صلاته رفاعة أخو خالد فهو اشتباه ، وإنما هو بدري أيضا فمردود ، بأنه هو راويها عن أخيه خالد لا عن نفسه ، كما سيأتي في الفصل الثاني ، ( دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد ) : وفي المصابيح : جالس في المسجد ، أي : في جانب منه ، قاله ابن الملك ، ( فصلى ) : وفي رواية النسائي : فصلى ركعتين ، والظاهر أنها تحية المسجد ( ثم جاء فسلم عليه ) : مقدما حق الله على حق رسوله - عليه السلام - ، كما هو أدب الزيارة ، لأمره - عليه السلام - بذلك لمن سلم عليه قبل صلاة التحية فقال له : ( " ارجع فصل ثم ائت فسلم علي " ( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وعليك السلام " ) : قيل : عليك بلا واو يدل على أن ما قاله بعينه مردود إليه خاصة ، أي : ويحتمل غيره ، وإذا أثبت الواو ومع الاشتراك معه والدخول فيما قاله ; لأن الواو لجمع الشيئين ، ( " ارجع فصل ، فإنك لم تصل " ) ، أي : صلاة كاملة أو صحيحة ( فرجع فصلى ، ثم جاء فسلم ) ، أي : عليه كما في نسخة ، وفيه استحباب تكراره السلام بالفصل ، أو لأن السلام المعتبر هو الذي يكون بعد الصلاة الكاملة أو الصحيحة ( قال " وعليك السلام ارجع فصل ، فإنك لم تصل ) : قال ابن الملك النفي في قوله : لم تصل نفي لكمال الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد ، ونفي لجوازها عند أبي يوسف .

قلت : وكذلك عند الشافعي ، لكن تقريره على صلاته كرات يؤيد كونه نفي الكمال لا الصحة ، فإنه يلزم منه أيضا الأمر بعبادة فاسدة مرات ( فقال في الثالثة : - أو في التي بعدها - ) : أي في المرة الرابعة ( علمني يا رسول الله ) : قال ابن الملك في شرح المشارق ، فإن قيل : لم سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعليمه أولا حتى افتقر إلى المراجعة كرة بعد أخرى ؟ قلنا : لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغترا بما عنده سكت عن تعليمه زجرا له ، وإرشادا إلى أنه ينبغي أن يستكشف ما استبهم عليه ، فلما طلب كشف الحال بينه بحسن المقال اهـ .

واستشكل تقريره - عليه السلام - على صلاته ، وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة ، وأجيب : بأنه أراد استدراجه بفعل ما جعله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا ، فيتذكر فيفعل من غير تعليم ، فليس من باب التقرير على الخطأ ، بل من باب تحقق الخطأ ، أو بأنه لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره ولتفخيم الأمر وتعظيمه عليه ، وقال ابن دقيق العيد : لا شك في زيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله ، واستجماع نفسه ، وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم ، لاسيما مع عدم خوف ، ( فقال : " إذا قمت " ) ، أي : أردت القيام ( " إلى الصلاة فأسبغ الوضوء " ) : بضم الواو وبفتح ، قال الطيبي ، أي : أتممه يعني توضأ وضوءا تاما ، وقال ابن الملك : مشتملا على فرائضه وسننه ( " ثم استقبل القبلة " ) : فإنه من شروط الصلاة ، وفيه إيماء إلى أن الجهة كافية ، ويؤيده أنه - عليه السلام - قال : " ما بين المشرق والمغرب قبلة " وما أبعد قول ابن حجر ، أي : عين الكعبة لما مر أنه - عليه السلام - ركع ركعتين في وجهها وقال : هذه القبلة اهـ .

[ ص: 651 ] ولعل ترك سائر الشروط من طهارة الثوب والمكان ، وستر العورة اكتفاء بالشهرة ( " فكبر " ) ، أي : تكبيرة الافتتاح ، وهي شرط عندنا لقوله تعالى : وذكر اسم ربه فصلى ، وركن عند الشافعي ، وترك ذكر النية مع أنها من الشروط لوضوحها ولعدم خصوصيتها بالصلاة ، قال ابن حجر : كان حكمة الفاء هاهنا دون ما قبلها وما بعدها أن التكبير يعقب الاستقبال غالبا بخلافه مع الوضوء ، وبخلاف التكبير وقراءة الفاتحة لما بينهما من الافتتاح والتعوذ .

قلت : ولعل فيه إيماء إلى قوله تعالى : وربك فكبر فيتضمن الإشارة إلى المفعول المقدر ، والتكبير معناه التعظيم ، فيجوز بلفظ : الله أكبر ، وبكل ما دل على تعظيمه تعالى لقوله تعالى : وذكر اسم ربه فصلى وحديث تحريمها التكبير ، وقوله - عليه السلام - في أوائل صلاته " الله أكبر " مع المواظبة عليه يدل على كونه واجبا لا على كونه ركنا خلافا للشافعي ومن تبعه ، ويحترز من مد همزة الجلالة ، ومن إشباع باء أكبر ، فإنه يكفر متعمد ذلك .

قال ابن حجر : وخبر التكبير جزم لم يصح اهـ ، ومحله غير هذا المقام لأنه حالة الوقف لا يكون إلا مجزوما ، وقد تقدم ما يعلق بمعنى أكبر ، والجمهور على أنه لا يجب مقارنة النية للتكبير خلافا للشافعي ، وبحث النية والتلفظ بها قد مر مستوعبا في أول الكتاب ، ( " ثم اقرأ بما تيسر " ) ، أي : لك حال كونه ( " معك " ) : قال ابن الملك : أي ما تعلمه ، وقال الأبهري : الباء للاستعانة ، أي : أوجد القراءة مستعينا بما تيسر أو زائدة ، ويؤيد الثاني رواية البخاري ما تيسر بدون الباء ، وقال الطيبي : الجار والمجرور حال ، أتي بالباء في التنزيل دلالة على أن " اقرأ " يراد به الإطلاق ، أي : أوجد القراءة باستعانة ما تيسر لك ( " من القرآن " ) ، وفي الحديث كما في آية : فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، دليل على أن قراءة الفاتحة ليست بركن ، وما دون الآية غير مراد إجماعا فتبقى الآية وبه أخذ أبو حنيفة ، وفي شرح السنة : أراد بما تيسر معك من الفاتحة إذا كان يحسنها ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقوله تعالى : فما استيسر من الهدي والمراد الشاة ببيان السنة ، وفيه دليل على وجوب القراءة في الركعات كلها كما يجب الركوع والسجود ذكره الطيبي ، وفيه أبحاث محلها كتب الفقه وأصوله ، ومن جملتها أنه - عليه السلام - صرح بأن المراد بالهدي الشاة ، ولم يرد عنه أنه قال : المراد بما تيسر هو الفاتحة ، ومن ادعى فعليه البيان ، وأما ما ورد في رواية صححها أحمد ، والبيهقي ، وابن حبان من قوله - عليه السلام - : " ثم اقرأ بأم القرآن " إنما يدل على الوجوب ، وبه نقول مع أن الواقعة لم تتكرر كما هو الظاهر ، فتحمل إحداهما على أنها رويت باللفظ ، والأخرى على أنها رويت بالمعنى ولكن فيه أن ما بينهما تفاوت فاحش في المعنى ، ففي تصحيح الرواية نظر ظاهر والله أعلم .

ثم القراءة ليست بفرض مطلقا عند أبي بكر الأصم ، وعندنا فرض في ركعتين لا على التعيين ، وأما تعيين الأوليين فبطريق الوجوب وعند بعض العلماء القراءة فرض في كل ركعة وعند بعض في ثلاث ركعات ، ( " ثم اركع " ) : الركوع والسجود فرضان بالإجماع ، والاطمئنان فيهما فرض عند الشافعي ، وأبي يوسف ، وسنة عند أبي حنيفة ، ومحمد ، وفي رواية صحيحة : واجب عندهما ( " حتى تطمئن راكعا " ) : حال مؤكدة قاله ابن حجر : والظاهر أنها مقيدة ، نعم التأكيد ظاهر في قول : ( " ثم ارفع " ) ، أي : رأسك ( حتى تستوي قائما ) : القومة والجلسة بين السجدتين واجبتان عندهما ، وفرضان عند الشافعي ، وقال إمام الحرمين من الشافعية مع جلالته : أنه [ ص: 652 ] عليه السلام لم يذكر الطمأنينة في الاعتدال والجلوس بين السجدتين وفيه أن الاطمئنان في الجلوس بين السجدتين مذكور في هذا الحديث المتفق عليه ، وأما قول ابن حجر : إن هذا سهو منه إذ في قوله : " حتى تستوي قائما " التصريح بوجوب القيام من الركوع مع الاستواء فيه ، وهذا هو الاعتدال والطمأنينة اللذان قلنا بوجوبهما ، فمبني على أنه لم يفرق بين الاعتدال والطمأنينة فتأمل فيهما ، ( " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا " ) : حال مؤسسة ذكره ابن حجر ( " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا " ) ، أي : للاستراحة ، قال الطيبي : كلمة " حتى " في هذه القرائن لغاية ما يتم به الركن ، فدلت على أن الطمأنينة داخلة فيه ، والمنصوب حال مؤكدة ، وقال التوربشتي : من ذهب إلى أن الطمأنينة في الهيئات المذكورة فريضة تمسك بظاهر اللفظ ، ومن قال : إنها سنة فإنه يؤوله بنفي الكمال ، وأن الأمر بالإعادة إنما كان لتركه فرضا من فروضها .

قلت : قال ابن الهمام : بترك الفرض تفرض الإعادة ، وبترك الواجب تجب وبترك السنة تستحب ، ثم قال التوربشتي : فلما قال : " علمني " وصف له كيفية إقامة الصلاة على نعت الكمال ، ولذلك بدأ في تعليمه بالأمر في إسباغ الوضوء ، ولم يأمر بالإعادة ، ولو لم يكن على طهر لقال : ارجع فتوضأ .

قال النووي : هذا الحديث محمول على بيان الواجبات دون السنن ، فإن قيل : لم يذكر فيه كل الواجبات من المجمع عليها كالنية والقعود في التشهد الأخير ، وترتيب أركان الصلاة ، والمختلف فيه كالتشهد الأول ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فالجواب : أن الواجبات المجمع عليها كانت معلومة عند السائل ، فلم يحتج إلى بيانها ، وكذلك المختلف فيه ، وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع والسجود ، ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين ، وهو مذهب الجمهور ، ولم يوجبها أبو حنيفة وطائفة يسيرة ، هذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح .

قلت : أما قوله : كانت الواجبات معلومة عند السائل فغير معلوم ، بل بعيد جدا ; لأن السلف كانوا يعلمون العبادات على وجه الكمال ، وغالبهم لا يفرقون بين الفرائض والواجبات والسنن فرضا عن المجمع عليها ، والمختلف فيها وعلى فرض التسليم يرد عليه أنه . . . فلم ذكر بعض الواجبات المجمع عليه أو ترك بعضها ، مع أن بعض المذكورات أظهر من المحذوفات ، ثم كيف يستقيم قوله : وكذلك المختلف فيه ، ومن جملته وجوب الاعتدال والطمأنينة والجلوس بين السجدتين ، فالصحيح ما ذهب إليه أئمتنا أنه كان تاركا لبعض السنن وأما وجه أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر بعض الشرائط والأركان وترك بعضها ، فمفوض إليه - عليه السلام - ، وأما الجواب الصحيح ، فتقدم عن الإمام التوربشتي مع أنه لو كان التعديل فرضا لما أقره - عليه السلام - إلى آخر الصلاة ، وليس في الحديث تصريح بما تركه ، ولا أنه واجب ، أو سنة ، والله أعلم اهـ .

يعني : فإذا كان - عليه السلام - لم يصرح في هذا الحديث بالسبب الموجب للإعادة فلا حجة فيه لنا ولا علينا ، ( وفي رواية ) ، أي : بدل قوله الأخير ، ثم اسجد حتى تطمئن جالسا ( " ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم افعل ذلك " ) ، أي : ما ذكر مما يمكن تكريره فخرج نحو تكبيرة الإحرام ( " في صلاتك " ) ، أي : ركعاتك ( " كلها " متفق عليه ) : قال ميرك : واللفظ للبخاري .

[ ص: 653 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية