صفحة جزء
791 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ، ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا ، وكان يقول في كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم ، رواه مسلم .


791 - ( وعن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير ) : قال القاضي : أي يبدؤها ويجعل التكبير فاتحها ( والقراءة ) : بالنصب عطفا على الصلاة ، أي : يبتدئ قراءة الفاتحة بـ ( الحمد ) : بالرفع على الحكاية وإظهار ألف الوصل ، ويجوز حذف همزة الوصل ، وكذا جر الدال على الإعراب ( لله رب العالمين ) : وهذا ظاهر في أنه كان يسر بالبسملة ، كما هو مذهبنا ، أو لا يأتي بها كما هو مذهب مالك ، وأما ما رواه أحمد من أنه - عليه السلام - كان يجهر أول الفاتحة بالبسملة ، وإن رواه عشرون صحابيا ، فمحمول على كونه بعض الأحيان للتعليم ، أو لبيان الجواز ، أو كان يسمعه من يليه من قربه ، نعم لو صح فهو حجة على مالك ، إن لم يكن له مرجح عند التعارض ، قال الطيبي : أي يبتدئ القراءة بسورة الفاتحة ، ثم يقرأ السورة ، وذلك لا يمنع تقديم دعاء الاستفتاح ، أي : كما استدل به مالك ، فإنه لا يسمى في العرف قراءة ، ولا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة ; لأن المراد أنه يبدأ بقراءة السورة التي أولها : الحمد لله رب العالمين ، لا أنه يبدأ في القراءة بلفظ الحمد لله اهـ .

قلت : الله أعلم بالمراد ، فدعواه لا تدفع الإيراد ، ( وكان إذا ركع لم يشخص ) : من باب الإفعال أو التفعيل أي لم يرفع رأسه ، أي : عنقه ( ولم يصوبه ) : بالتشديد لا غير ، والتصويب النزول من أعلى إلى أسفل ، أي : ولم ينزله ( ولكن ) : قيل كان وجه الاستدراك بها أن نفي ذينك لا يقتضي البينية الآتية ، بل ربما اقتضى خلافها ، فبين أن المراد أنه كان إذا ركع يكون ركوعه بين ذلك ، وهذه الهيئة مستحبة بالإجماع ( بين ذلك ) ، أي : التشخيص والتصويب بحيث يستوي ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة ، ولتعدد ذا كما تقرر صح إضافة " بين " إليها ، ويلزم من تلك البينية استواء ظهره وعنقه كالصفحة ( وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي جالسا ) : قال الطيبي : فيه دليل على وجوب الاعتدال .

قلت : يحتمل الحمل على وجه الكمال فلا يتم به الاستدلال ، وحديث البخاري : " وصلوا كما رأيتموني أصلي " لا يدل على فرضه جميع أفعاله - عليه السلام - ; لأن بعض أفعاله وأقواله سنن إجماعا ( وكان يقول ) ، أي : يقرأ ( في كل ركعتين ) ، أي : بعدهما ( التحية ) : بالنصب وقيل بالرفع ، أي : التحيات إلخ ، ولا يبعد أن يكون التحية مبتدأ خبره في كل ركعتين ، وسمي الذكر المعين تحية وتشهدا لاشتماله عليهما ، أي : على التحية ، وهو الثناء الحسن ، وعلى التشهد لاشتماله على الشهادتين ، ثم التشهد واجب عندنا في القعدة الأولى والأخيرة ، وفي رواية : سنة في الأولى ، وأما القعدة الأولى فواجبة عندنا ، والقعدة الأخيرة فرض ( وكان يفرش ) ، بكسر الراء وضمها ( رجله اليسرى ، وينصب ) : بفتح الياء وكسر الصاد ( رجله اليمنى ) ، أي : يضع أصابعها على الأرض ويرفع عقبها ، سيأتي بيان اختلاف العلماء في هذه الهيئة مع اتفاقهم على أنها بأي كيفية سنة ( وكان ينهى ) ، أي : تنزيها ، وقيل تحريما ( عن عقبة الشيطان ) : بضم العين وسكون القاف ، أي : الإقعاء في الجلسات وهو أن يضع أليتيه على عقبيه ، قال الطيبي : وقال النووي : تفسير المكروه بهذا غلط لرواية مسلم : الإقعاء سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، وفسره العلماء بهذا ، وقال البيهقي : ما صح من نهيه - عليه السلام - عن عقبة الشيطان ، يحتمل أن يكون واردا في الجلوس للتشهد الأخير ، فلا ينافي ما صح في الجلوس بين السجدتين اهـ .

[ ص: 654 ] واستحسنه النووي وعندنا لا فرق بين الإقعاء في الجلستين فإنه مكروه فيهما ، قال النووي في شرح المهذب : روايات الإقعاء بهذا المعنى كلها ضعيفة ، وليس في النهي عنه حديث صحيح ، وقال في موضع آخر منه : أحاديثه مع كثرتها ليس فيها شيء ثابت ، لكن قال بكراهته عامة أهل العلم ، ويكره الجلوس في الصلاة مادا رجله ومتربعا ، وتربعه - عليه السلام - في بعض الأحيان لبيان الجواز ، وقيل : التربع أفضل في الجلوس البدل عن القيام ، ونقل عن الأئمة الثلاثة أخذا من حديث كان يصلي متربعا ، وقيل : أفضلها التورك ; لأنه أهون ، وقيل واختاره بعض أئمتنا ، أفضلها أن ينصب ركبته اليمنى ويجلس على رجله اليسرى ; لأنه أبلغ في الأدب كذا ذكره ابن حجر وأغرب من عده أبلغ في الأدب ، والمعتمد في مذهبنا أن الأفضل هو الافتراش ، فإنه لو كان هيئة أحسن وأفضل وأبلغ في الأدب وأكمل لدوامه - عليه السلام - عليها ، وحيث لم يثبت عنه - عليه السلام - غيرها إلا التربع ، وهو يحتمل أن يكون عن عذر ، فالعدول عن هيئة جلوسه إلى نوع آخر في غاية من قلة الأدب ، وقيل : الإقعاء أن يضع وركه على الأرض وينصب ركبتيه بحيث يكون قدماه عليها ، وجاء في رواية أن سبب النهي عنه ما فيه من التشبه بالكلاب والقردة ، وقيل : عقبة الشيطان تقديم رجل على أخرى في القيام وقيل : هي ترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء ، ( وينهى أن يفترش ) : أي : في السجود ( الرجل ) ، أي : لا المرأة ; لأن مبنى أمرها على التستر ، قال الطيبي : التقييد بالرجل يدل على أن المرأة تفترش ( ذراعيه ) ، أي : نهى عن انضمامهما بالأرض في السجود ( افتراش السبع ) ، أي : كافتراشه لما فيه من التهاون بأمر الصلاة بل ينبغي أن يضع كفه ويرفع مرفقه عن الأرض ، قالابن الملك ، وقال ابن حجر : ومنه أخذ أئمتنا أنه يسن للرجل أن يرفع ذراعه عن الأرض ، وأن يعتمد على راحتيه ، وجاء الأمر بذلك في صحيح مسلم ، وأنه يكره بسطهما ، ويوافقه خبر الصحيحين : ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ، نعم إن طول السجود فشق عليه اعتماد كفيه ، فله بلا كراهة وضع ساعديه على ركبتيه لخبر : شكا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم قال : " استعينوا بالركب " رواه جماعة موصولا وروي مرسلا وهو الأصح كما قال البخاري والترمذي ، ومع ذلك يعمل به لأنه في الفضائل ، ( وكان يختم الصلاة ) ، أي : أفعالها ( بالتسليم ) : أي : تسليم الخروج ، والخروج بفعل المصلي فرض عندنا ، وبلفظ السلام واجب ، ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية