صفحة جزء
69 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم ، وابنها " . متفق عليه .


69 - ( وعن أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من بني آدم ) أي : ما من أولاده ، والمراد هذا الجني ( مولود إلا يمسه الشيطان ) : رفع مولود على أنه فاعل الظرف لاعتماده على حرف النفي ، والمستثنى منه أعم عام الوصف فالاستثناء مفرغ يعني ما وجد من بني آدم مولود متصف بشيء من الأوصاف حال ولادته إلا بهذا الوصف أي : مس الشيطان له كأنه - عليه الصلاة والسلام - يرد على من زعم أن الأنبياء ، والأولياء لا يمسهم الشيطان ، فهو من قصر القلب الذي يلقى لمعتقد العكس ، وقيل : ما : هي غير عاملة هنا حتى عند الحجازية لتقدم الخبر ، وهو من بني آدم على مبتدئه ، وهو مولود ( حين يولد ) : قالوا : المراد بالمس الحسي لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد ) . وقال ابن الملك : الوجه أن يراد من المس الطمع في الإغواء فيرده ظاهر قوله ( فيستهل ) أي : يصيح ( صارخا ) : رافعا صوته بالبكاء ، وهو حال مؤكدة ، أو مؤسسة أي : مبالغة في رفعه ، أو المراد بالاستهلال مجرد رفع الصوت ، وبالصراخ البكاء ( من مس الشيطان ) أي : لأجله . قال الطيبي : وفي التصريح بالصراخ إشارة إلى أن المس عبارة عن الإصابة بما يؤذيه لا كما قالت المعتزلة : من أن مس الشيطان تخييل ، واستهلاله صارخا من مسه تصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ، ويضرب بيده عليه ، ويقول : هذا ممن أغويه ، وأما قول ابن الرومي :


لما تؤذن به الدنيا من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد

    إذا أبصر الدنيا استهل كأنه
بما هو لاق من أذاها يهدد

    وإلا فما يبكيه منها ، وإنها
لأوسع مما كان فيه ، وأرغد



فمن باب حسن التعليل فلا يستقيم تنزيل الحديث عليه مع أنه لا ينافيه ( غير مريم ، وابنها ) : حال من مفعول يمس ؛ قاله ابن حجر ، واستثناؤهما لاستعاذة أمها حيث قالت : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) وتفرد عيسى ، وأمه بالعصمة عن المس لا يدل على فضلهما على نبينا - صلى الله عليه وسلم - إذ له فضائل ، ومعجزات لم تكن لأحد ، ولا يلزم أن يكون في الفاضل جميع صفات المفضول كذا قاله الطيبي ، ونظيره خبر الطبراني : ما أحد من بني آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا . قلت : وأبلغ من هذا أن شيطانه أسلم ( متفق عليه ) : [ ص: 141 ] قال ابن حجر : وفي رواية للبخاري : كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب ، وفي أخرى للحاكم ، وغيره : ( كل وليد الشيطان نائل منه تلك الطعنة ، ولها يستهل المولود صارخا إلا ما كان من مريم وابنها فإن أمها حين وضعتها قالت : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) فضرب دونها حجاب فطعن ) اهـ .

ولعل الله تعالى ألهمها بأن دعت هذا الدعاء حال الوضع لا بعده فقوله : حين وضعتها أي : أرادت وضعها ، فلا يشكل أن المس يكون حال الوضع فكيف امتنع لأجل ذلك الدعاء ؟ وقولها في الآية : ( وإني أعيذها ) بمعنى أعذتها وعدل إلى المضارع لإرادة الاستمرار ، أو لحكاية الحال الماضية ، والله أعلم . والمفهوم من الجامع الصغير أن الحديث باللفظ المذكور سابقا هو من أفراد البخاري فقوله : متفق عليه محل نظر إلا أن يقال مراده أنه متفق عليه معنى ، واللفظ للبخاري لكن ذكر لفظ كل بني آدم إلخ . أيضا من أفراد البخاري فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية