صفحة جزء
792 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى ، وقعد على مقعدته ، رواه البخاري .


792 - ( وعن أبي حميد الساعدي ) : واسمه عبد الرحمن ( قال في نفر ) ، أي : وهو في جماعة أو في بمعنى " مع " على حد : " ادخلوا في أمم " ( من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا أحفظكم ) أي : أكثركم حفظا ( لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : كأنه أخذ ذلك من طول ملازمته وقوة ضبطه وجودة حفظه دونهم ( رأيته إذا كبر ) : أراد أن يكبر ، أو حين التكبير ، أو إذا شرع في التكبير لرواية الشيخين الآتية : أنه - عليه السلام - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ( جعل يديه ) : أي : رفع كما صرحت به بقية الروايات ، أي : شرع في رفع يديه ، ولا منافاة بين الشروع الفعلي والقولي ، كما تقرر في الابتداء بالتسمية ويغسل اليدين معا ( حذاء منكبيه ) : بكسر الحاء ، أي : مقابلهما ، والمنكب : بفتح الميم وكسر الكاف مجمع عظم العضد والكتف ، قال القاضي : اتفقت الأمة على أن رفع اليد عند التحريم مسنون ، واختلفوا في كيفيته ، فذهب مالك والشافعي إلى أنه يرفع المصلي يديه حيال منكبيه لهذا الحديث ونحوه ، وقال أبو حنيفة : يرفعهما حذو أذنيه ، أي : للحديث الآتي ، وذكر الطيبي أن الشافعي حين دخل مصر سئل عن كيفية رفع اليدين عند التكبير ؟ قال : يرفع المصلي يديه بحيث يكون كفاه حذاء منكبيه ، وإبهامه حذاء شحمتي أذنيه ، وأطراف أصابعه حذاء فرع أذنيه ، لأنه جاء في رواية : يرفع اليدين إلى المنكبين ، وفي رواية إلى الأذنين ، وفي رواية إلى فروع الأذنين ، فعمل الشافعي بما ذكرنا في رفع اليدين جمعا بين الروايات الثلاث .

قلت : هو جمع حسن ، واختاره بعض مشايخنا ، قال البخاري في تصنيفه في الرد على منكري الرفع ، رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر من الصحابة ، ولم يثبت عن أحد منهم خلافه ، قال ابن حجر : ومن ثم حكى فيه ابن المنذر وغيره الإجماع ، وخالف [ ص: 655 ] فيه الزيدية وهم لا يعتد بهم في الإجماع ، وفي الأم يكره تركه ، بل قال بعض أصحابنا : يحرم تركه لكن رد بأنه مخالف لإجماع من قبله ، ورد بأن ابن سيرين وغيره من السلف قالوا به ، وهو رواية عن الأوزاعي ، واختلف هل شرع الرفع تعبدا أو لحكمة فقيل : الإشارة إلى التوحيد ، وقيل : أن يراه من لا يسمع التكبير فيقتدي به ، وقيل : الإشارة إلى طرح أمر الدنيا والإقبال بكليته على عبادة المولى وقيل غير ذلك ، ثم قيل : يرفعهما ثم يكبر ويرسلهما مع آخر التكبير ، رواه أبو حميد الساعدي ، وقيل : يرفعهما ثم يكبر وهما مرفوعتان ، ثم يرسلهما لرواية مسلم : أنه - عليه السلام - رفع يديه حذو منكبيه ثم كبر ، وهما كذلك ، والتحقيق أن الخلاف إنما هو في الأكمل ، وأما أصل السنة : فيحصل بكل ذلك ، والأصل في اختلاف الروايات في أنواع العبادات ترجيح إحداها على ما هو المشهور بين العلماء ، وبعضهم يرى أن الاختلاف في ذلك من الأمر المباح .

أقول : وفي الحقيقة لا خلاف ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل هذه الأنواع بلا شك لصحة الروايات رحمة على الأمة ، وتخصيص كل بوقت لما تقتضيه المصلحة ، ولم يعرف ما دام عليه أكثر ولا آخر ما فعله ، فرجح كل من الأئمة بما قام عنده من الدليل ، والظاهر أن الجمع بين الروايات فيم أمكن كقراءة : وجهت وجهي ، وسبحانك اللهم ، كما قال أبو يوسف ، والجمع بين كبيرا وكثيرا كما قال به النووي يخرج عن ظاهر السنة ، والأظهر الجمع أن يكون تارة وتارة ، أو يخص الأرجح بالفرض وغيره بالنفل والله أعلم .

( وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ) : في المغرب يقال : مكنه من الشيء وأمكنه فيه أقدره عليه ، والمعنى مكنهما من أخذهما والقبض عليهما ، ويستحب أن يوجه أصابع يديه للقبلة لثبوته في السجود فألحق به ، ولأنها أشرف الجهات ، وأن يبسطها ويفرقها على ساقيه للاتباع ، رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي ، ( ثم هصر ظهره ) ، أي : ثناه وخفضه حتى صار كالغصن المنهصر وهو المنكسر من غير بينونة ، والأصل في الهصر الكسر ، وقيل ، أي : ثناه وعوجه ثنيا شديدا في استواء رقبته وظهره ، قال الطيبي : وفي النهاية أي ثناه إلى الأرض ، وأصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه إليك ( فإذا رفع رأسه ) ، أي : من الركوع ( واستوى حتى يعود ) ، أي : يرجع ( كل فقار ) : وهي مفاصل الصلب واحدتها فقارة بالفتح ( مكانه ) ، أي : موضعه ويستقر كل عضو في مقره ( فإذا سجد وضع يديه ) ، أي : بعد وضع ركبتيه لخبر الترمذي الذي حسنه وصححه آخرون ، أنه - عليه السلام - كان يفعل كذلك ، فهذا مفصل ، وفيه زيادة ; لأن ذلك الحديث لم يبين متى وضع ركبتيه فوجب الأخذ بهذا ، قال الخطابي : وهو أثبت من حديث تقديم اليدين على الركبتين ، وقال غيره : حديث تقديم اليدين على الركبتين منسوخ بحديث : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين ( غير مفترش ) ، أي : لذراعيه ، أي : افتراش السبع وهو نصب على الحال ، أي : غير واضع مرفقه على الأرض ( ولا قابضهما ) : بالجر ، أي : وغير قابض أصابع يديه بل يبسطهما قبل القبلة كذا قاله ابن الملك ، وقيل : أي لا يضم أصابعهما ، أو أراد لا يضم الذراعين والعضدين إلى الجنبين بل يجافيهما ، قال ابن حجر : يسن أن ينشر أصابع يديه ، ويسن أيضا كونها إلى القبلة للاتباع ، رواه البيهقي ، " ومضمومة " للاتباع أيضا رواه البخاري إيماء ، وابن حبان في صحيحه صريحا ، " ومكشوفة " لخبر خباب الآتي ، ومعتمدا على راحتيه لخبر مسلم وغيره ( واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ) : قال النووي : لا يحصل توجيهها للقبلة إلا أن يكون معتمدا على بطونهما ، ونقل الإمام عن الأئمة أنه يضعها من غير تحامل عليها شاذ مخالف للحديث والمذهب ( فإذا جلس في الركعتين ) : أي عقب الأوليين ( جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ، فإذا جلس في الركعة الآخرة ) : وفي نسخة : الأخيرة ( قدم ) ، أي : أخرج ( رجله اليسرى ) : من تحت وركه إلى جانب الأيمن ( ونصب الأخرى ) : وفي نسخة : اليمنى ( وقعد على مقعدته ) : قال القاضي : اختلفوا في كيفية الجلسات فقال أبو حنيفة : يجلس فيهما مفترشا ، وقال مالك : بل متوركا ، وقال الشافعي : يتورك في التشهد الأخير ويفترش في الأول ، كما رواه الساعدي في هذا الحديث ، وألحق بالتشهد الأول الجلسات الفاصلة بين السجودات لأنه يعقبها انتقالات ، والانتقال من المفترش أيسر ، ( رواه البخاري ) : قال ميرك : والأربعة .

[ ص: 656 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية