صفحة جزء
826 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ، يجبكم الله ، فإذا كبر وركع ، فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فتلك بتلك " ، قال : وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا لك الحمد ، يسمع الله لكم " ، رواه مسلم .

827 - وفي رواية له عن أبي هريرة ، وقتادة : " وإذا قرأ فأنصتوا " .


826 - ( وعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم ) ، أي : أردتم الصلاة ( فأقيموا ) ، أي : سووا ( صفوفكم ) : فيسن تسويتها بأن لا يكون فيها اعوجاج ولا فرج ( ثم ليؤمكم ) : بكسر اللام وتسكن ( أحدكم ) : والأفضل أفضل ، فلا ينافيه رواية : أكبركم ؛ لأنها لبيان الأفضل ، وتلك لبيان حصول أصل الجماعة ، أو محمولة على استواء الجميع في السن والفضيلة ( فإذا كبر فكبروا ) : يريد أن موافقة الإمام واجبة قاله ابن الملك ، وقال ابن حجر : استفيد منه أنه يجب تأخير جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام ، فمتى تقدم المأموم بها على الإمام أو قارنه فيها أوشك في ذلك بطلت صلاته ( وإذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ) : فيه إشارة إلى السكوت والاستماع ، قال ابن حجر : استفيد منه ندب مقارنة تأمين المأموم تأمين الإمام ؛ لأنه قد علم أن الإمام يندب له عقب فراغه من الفاتحة التأمين ، والمأموم أمر في هذا الحديث بأن يؤمن عقب فراغ الإمام أيضا ، فوقع تأمينهما في زمن واحد ، فتعين أن معنى الخبر السابق : إذا أمن الإمام فأمنوا ، أي : أراد مقارنة التأمين ليجتمع الحديثان اهـ .

وفيه أنه لا يظهر فرق بين هذه الشرطية والشرطية السابقة ، حيث أن الأولى أفادت الوجوب ، والثانية الندب ، اللهم إلا أن يقال : أنه مستفاد من دليل آخر فتدبر ( يجبكم الله ) : بالجزم على جواب الأمر بالقول ( فإذا كبر وركع فكبروا ، واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ، ويرفع قبلكم ) : وفي رواية : فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به ، قال الطيبي : تعليل لترتيب الجزاء على الشرط فإن الجزاء مسبب على الشرط والسبب مقدم على المسبب ( فقال ) : أي بعد ما قال من التعليل قال : ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : هذا هو الصواب الموافق للنسخ المصححة المضبوطة بالتصلية والتسليم المصرحة بأن القائل هو عليه السلام ، وقد أخطأ ابن حجر حيث قال : ومن ثم قال الراوي أبو موسى : ( فتلك بتلك ) : قال النووي : معناه أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة ، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه ( قال ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا قال ) : أي الإمام : ( سمع الله لمن حمده ) : بالضم ويسكن ( فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد ) : قال النووي : قيل فيه دلالة لمذهب من يقول : لا يزيد المأموم على قوله : ربنا لك الحمد ؛ ولأنه يقول سمع الله لمن حمده ، ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم ، والمنفرد ؛ لأنه عليه السلام قال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " اهـ ، وفيه أن الدليل القولي أقوى من الدليل الفعلي ؛ لأن قوله تشريع لا يحتمل الخصوصية بخلاف فعله ، وأيضا يحمل جمعه على حالة الانفراد ، وإفراده على حالة الجمع ، وبه يحصل الجمع ويوافق : " صلوا كما رأيتموني أصلي " والله أعلم ، قال النووي قوله لك الحمد بلا واو ، وفي غير هذا الموضع بالواو ، والمختار أن الوجهين جائزان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر اهـ .

وقال مولانا أبو المكارم من أصحابنا في شرح النقاية : جاء في التحميد أربع روايات : ربنا لك الحمد في القنية هو الصحيح ، وقال الطحاوي هو الأصح ، وفي القنية الأظهر : ربنا ولك الحمد ، واللهم ربنا لك الحمد ، في المحيط هو الأفضل : اللهم ربنا ولك الحمد ، وهو الأحسن ، والكل منقول عن النبي كذا في الكافي اهـ .

وقال ابن القيم في هديه : صح عنه عليه السلام ذلك كله ، وأما الجمع بين اللهم والواو فلم يصح اهـ ، فقول ابن حجر هنا بعد لفظ الحديث أو ولك الحمد وهو الأفضل غير صحيح ، قال القاضي عياض : على إثبات الواو يكون قوله : ربنا متعلقا بما قبله تقديره سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد اهـ .

وتقدم ما يرد عليه من الاعتراض ( يسمع الله لكم ) : قال ابن الملك : بكسر العين أي يقبله ، وكان مجزوما لجواب الأمر فحرك بالكسر ، قال أبو حنيفة ومالك ، وأحمد : يكتفي الإمام بقوله : سمع الله لمن حمده ؛ لأن القسمة بين الذكرين تقطع الشركة ، ( رواه مسلم ) : قال ميرك : وأبو داود ، والنسائي [ ص: 688 ]

827 - ( وفي رواية له ) ، أي : لمسلم ، قال ميرك : ولابن ماجه أيضا ( عن أبي هريرة ، وقتادة ) ، أي : وعن قتادة فيكون أثرا لا حديثا ، قال ميرك : ظاهر هذه العبارة يقتضي أن هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث أبي هريرة ، وليس كذلك ، بل يفهم من كلام مسلم أنه لم يخرج حديث أبي هريرة هذا أصلا ، فإن في كتابه بعد إيراد حديث أبي موسى أنه قيل لمسلم ، فحديث أبي هريرة فإذا قرأ فأنصتوا أصحيح هذا ؟ قال : نعم ، قيل : فلم لم تضعه هاهنا ؟ قال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه ، وقال الإمام النووي في شرحه ، قال الحفاظ : جملة فإذا قرأ فأنصتوا ليست صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأطنب البيهقي في بطلانها ، وذكر عللها ، ونقل بطلانها عن يحيى بن معين ، وأبي حاتم الرازي ، وأبي داود ، وأبي علي النيسابوري وغيرهم ، ( وإذا قرأ فأنصتوا ) ، أي : اسكتوا ، قال أبو حنيفة : لا يقرأ المأموم ، وقال الشافعي : يعني عند قراءة الفاتحة ، وقال ابن حجر : هي محمولة على السورة اهـ ، وهو حمل بعيد مع عدم بيان مراده أنه إذا قرأ الإمام السورة فأنصتوا أو إذا قرأ الإمام فأنصتوا عن السورة ، وفيه من المفاهيم ما لا يصح على مقتضى مذهبه فتدبر وأنصف ولا تتكدر ، قال ابن الهمام قوله : وإذا قرأ فأنصتوا ، رواه مسلم زيادة في حديث : إذا كبر الإمام فكبروا ، وقد ضعفها أبو داود وغيره ، ولم يلتفت إلى ذلك بعد صحة طريقها وثقة رواتها ، وهذا هو الشاذ المقبول ومثل هذا هو الواقع في حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة اهـ .

وقد بسط الكلام في شرح الهداية على هذا الحديث وطرقه ، فعليك به إن أردت البسط ، وستجيء هذه الزيادة حديثا مستقلا في الفصل الثاني ، رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية