صفحة جزء
82 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصادق المصدوق : ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات : فيكتب عمله ، وأجله ، ورزقه ، وشقي ، أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح فوالذي لا إله غيره إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه ، وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) . متفق عليه .


82 - ( وعن ابن مسعود ) : رضي الله عنه ( قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصادق المصدوق ) : الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها ، وأن يكون من عادته ذلك فما أحسن موقعه هاهنا . ومعناه الصادق في جميع أفعاله حتى قبل النبوة لما كان مشهورا فيما بينهم بمحمد الأمين . المصدوق في جميع ما أتاه من الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت باوزيد . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبي العاص بن الربيع : ( فصدقني ) . وقال في حديث أبي هريرة ( صدقك وهو كذوب ) ، وقال علي رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك : سل الجارية تصدقك ، ونظائره كثيرة . كذا قال السيد جمال الدين ، وفيه رد على ما قيل : إن الجمع بينهما تأكيد إذ يلزم من أحدهما الآخر ، اللهم إلا أن يخص به . ( إن خلق أحدكم ) : بكسر الهمزة فتكون من جملة التحديث ، ويجوز فتحها أي : مادة خلق أحدكم ، أو ما يخلق منه أحدكم ( يجمع في بطن أمه ) أي : يقرر ويحرز في رحمها . وقال في النهاية : ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم ( أربعين يوما ) : يتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق . قال الطيبي : وقد روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث : أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ، ثم تمكث أربعين ليلة ، ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها ، والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه ، وأحقهم بتأويله ، وأكثرهم احتياطا ، فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم . قال ابن حجر : والحديث رواه ابن أبي حاتم ، وغيره ، وصح تفسير الجمع بمعنى آخر ، وهو تضمنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله تعالى إذا أراد خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها ، فإذا كان يوم السابع جمعه الله ، ثم أحضره كل عرق له دون آدم ( في أي صورة ما شاء ركبك ) ، ويشهد لهذا المعنى قوله - عليه الصلاة والسلام - لمن قال له : ولدت امرأتي غلاما أسود : ( لعله نزعه عرق ) . وأصل النطفة الماء القليل ؛ سمي بها المني لقلته ، وقيل لنطافته أي : سيلانه لأنه ينطف نطفا أي : يسيل . قال الصوفية : خصوصية الأربعين لموافقته تخمير طينة آدم ، وميقات موسى ، ثم إنه يعجن النطفة بتراب قبره كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( منها خلقناكم ) أن الملك يأخذ من تراب مدفنه فيبددها على النطفة ، ولكونه سلالة من الطين جاء مختلف الألوان والأخلاق حسب اختلاف أجزاء الطين ، بل بحسب اختلاف المركبات من الطين فيه حرص النملة ، والفأرة ، وشهوة العصفور ، وغضب الفهد ، وكبر النمر ، وبخل الكلب ، وشره الخنزير ، وحقد الحية ، وغير ذلك من ذمائم الصفات ، وفيه شجاعة الأسد ، وسخاوة الديك ، وقناعة [ ص: 152 ] البوم ، وحلم الجمل ، وتواضع الهرة ، ووفاء الكلب ، وبكور الغراب ، وهمة البازي ، ونحوها من محاسن الأخلاق . ( نطفة ) : حال من فاعل يجمع ( ثم يكون ) أي : خلق أحدكم ( علقة ) أي : دما غليظا جامدا . قال ابن حجر أي : ثم عقب هذه الأربعين يكون في ذلك المحل الذي اجتمعت فيه النطفة علقة ، والأظهر أن قوله : يكون بمعنى يصير ، والضمير إلى ما جمع في بطن أمه نطفة ، وقيل : يصير خلقه علقة لأنها إذ ذاك تعلق بالرحم اهـ . وفيه أنه يلزم منه أن الصيرورة في أربعين ، وليس كذلك ، فالظاهر أن يقدر ، ويبقى ، أو يمكث ( مثل ذلك ) : إشارة إلى محذوف أي : مثل ذلك الزمان يعني أربعين يوما ( ثم يكون مضغة ) أي : قطعة لحم قدر ما يمضغ ( مثل ذلك ) : ويظهر التصوير في هذه الأربعين . قال : المظهر في هذا التحويل مع قدرته على خلقه في لمحة فوائد وعبر . منها : أنه لو خلقه دفعة لشق على الأم لعدم اعتيادها ، وربما تظن علة ، فجعل أولا نطفة لتعتادها مدة ، وهكذا إلى الولادة . ومنها : إظهار قدرته ، ونعمته ليعبدوه ، ويشكروه حيث قلبهم من تلك الأطوار إلى كونهم إنسانا حسن الصورة متحليا بالعقل ، والشهامة . ومنها : إرشاد الناس ، وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر ؛ لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين . ثم من علقة ، ثم من مضغة مهيأة لنفخ الروح فيه يقدر على حشره ، ونفخ الروح فيه . قلت : ومنها : بل أظهرها تعليم العباد في تدريج الأمور ، وعدم تعجيلهم فيها ، فإنه تعالى مع كمال قدرته ، وقوته على خلقه دفعة حيث خلقه مدرجا فإن الإنسان أولى به التأني في فعله كما قالوا مثل هذه في قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) فحصلت المطابقة والمناسبة ، والموافقة بين الآيات الآفاقية ، والدلالات الأنفسية . قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . ومنها تنبيههم ، وتفهيمهم أصلهم وفرعهم فلا يغتروا بقوة أبدانهم ، وأعضائهم ، وحواسهم ، ويعرفوا أنها كلها عطايا ، وهدايا ، بل على وجه العارية موجودة عندهم لينظروا في مبدئهم كما قال تعالى : ( فلينظر الإنسان مم خلق ) وفي الحديث : من عرف نفسه فقد عرف ربه ( ثم يبعث الله إليه ) أي : إلى خلق أحدكم ، أو إلى أحدكم يعني في الطور الرابع حين ما يتكامل بيانه ، ويتشكل أعضاؤه ( ملكا ) : وفي الأربعين : ثم يرسل إليه الملك ، والمراد بالإرسال أمره بها ، والتصرف فيها ؛ لأنه ثبت في الصحيحين أنه موكل بالرحم حين كان نطفة ، أو ذاك ملك آخر غير ملك الحفظ .

فإن قلت : قد ورد في صحيح مسلم برواية حذيفة بن أسيد خلاف ابن مسعود كما في المشارق ، أنه إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، وعظامها ، ثم يقول : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ، ثم يكتب أجله ورزقه ، فعلم منه أن التصوير بعد الأربعين الأولى ، وهو مناف لهذه الرواية . فجوابه : أن لتصرف الملك أوقاتا . أحدها : حين يكون نطفة ، ثم ينقلب علقة ، وهو أول علم الملك بأنه ولد ، وذلك عقيب الأربعين الأولى ، وحينئذ يبعث إليه ربه يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وخلقته ، وصورته ، ثم يتصرف فيه لتصويره ، وخلق أعضائه ، وذلك في الأربعين الثالثة ، ثم ينفخ فيه الروح ، فالمراد بتصويرها بعده أنه يكتب ذلك ، ثم يفعله في وقت آخر ؛ لأن التصوير الأول بعد الأربعين الأولى غير موجود عادة ، كذا في شرح مسلم ، ولا يخفى ما فيه ، وقد استفاض بين النساء أن النطفة إذا قدرت ذكرا تتصور بعد الأربعين الأولى بحيث يشاهد منه كل شيء حتى السوأة ، فتحمل رواية ابن مسعود على البنات ، أو الغالب . ( بأربع كلمات ) أي : بكتابتها ، وكل قضية تسمى كلمة قولا كان ، أو فعلا ( فيكتب عمله ) : من الخير ، والشر ( وأجله ) : مدة حياته ، أو انتهاء عمره ( ورزقه ) : يعني أنه قليل أو [ ص: 153 ] كثير ، وغيرهما مما ينتفع به حلالا كان أو حراما مأكولا أو غيره ، فيعين له ، وينقش بعد أن كانت مكتوبة في اللوح المحفوظ ما يليق به من الأعمال ، والأعمار ، والأرزاق حسب ما اقتضته حكمته ، وسبقت كلمته ، فمن وجده مستعدا لقبول الحق ، واتباعه ، ورآه أهلا للخير ، وأسباب الصلاح متوجها إليه أثبته في عداد السعداء ، ومن وجده متجافيا قاسي القلب متأبيا عن الحق أثبته في ديوان الأشقياء ، وكتب ما يتوقع منه من الشرور والمعاصي ، هذا إذا لم يعلم من حاله ما يقتضي تغير ذلك ، وإن علم من ذلك شيئا كتب له أوائل أمره ، وأواخره ، وحكم عليه حسب ما يتم به عمله ، فإن ملاك العمل خواتيمه ، وهو الذي يسبق إليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة والنار ، وقيل : المراد بكتبه هذه الأشياء إظهاره للملك ، وإلا فقضاؤه سابق على ذلك . قال مجاهد : يكتب هذه الكلمات في ورقة ، وتعلق في عنقه بحيث لا يراها الناس . قال تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) قال أهل المعاني : أراد بالطائر ما قضى عليه أنه عامله ، وهو صائر إليه من سعادة أو شقاوة ، وخص العنق لأنه موضع القلادة والأطواق . قلت : وهو كناية عن الذمة ، لأن هذه الأشياء في ذمته أن يفعلها ، ولا يقدر أن ينفك عنها ، وقيل : يؤمر بكتابة الأحكام المقدرة له على جبهته ، أو بطن كفه ، واعلم أن الكتابة التي في أم الكتاب تعم الأشياء كلها ، وهذا ما يخص به كل إنسان ؛ إذ لكل كتابة سابقة ، وهي ما في اللوح ، ولاحقة تكتب ليلة القدر ، ومتوسطة أشير إليها في الحديث ، وفي أصل الأربعين يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي ، أو سعيد ، وهو بدل كل من قوله أربع إذ المضاف مقدر فيه ، ويروى يكتب على الاستئناف . ( وشقي ) : خبر مبتدأ محذوف أي : يكتب هو شقي ( أو سعيد ) : قيل : كان من حق الظاهر أن يقال : ويكتب سعادته وشقاوته ، فعدل إما حكاية لصورة ما يكتبه الملك ؛ لأنه يكتب أشقي ، أو سعيد ، والتقدير أنه شقي ، أو سعيد ، فعدل لأن الكلام مسوق إليهما ، والتفصيل وهو قوله : فوالذي إلخ وارد عليهما ، والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخيرات ، وتضادها الشقاوة ، وهي إما قلبية ، أو بدنية ، أو ما حول البدن فالقلبية هي المعارف ، والحكم والكمالات العلمية ، والعملية القلبية ، والخلقية ، والبدنية ، الصحة والقوة ، واللذات الجسمانية ، وما حول البدن من الأموال ، والأسباب ، وقدم الشقاوة ليعلم أن الشر كالخير من عند الله ، وتقديره ردا على الثنوية المثبتين شريكا فاعلا للشر لأنهم طلبوا الحكمة في أفعال الله فقالوا : مدبر العالم لو كان واحدا لم يخص هذا بأنواع الخيرات والصحة والغنى ، وذلك بأصناف الشرور ، فرد عليهم الرب بقوله : ( لا يسأل عما يفعل ) وما أحسن قول الشاعر :


كم من أديب فطن عالم مستكمل العقل مقل عديم

    وكم جهول مكثر ماله
ذلك تقدير العزيز العليم



وتحقيق هذا المقام أن يقال : إن لله صفتي لطف وقهر ، والحكمة تقتضي أن يكون الملك سيما ملك الملوك كذلك ، إذ كل منهما من أوصاف الكمال ، ولا يقوم أحدهما مقام الآخر ، ولا يتحقق كل منهما إلا بوجود الآخر ، كما لا تتبين اللذة إلا بالألم ، وبضدها تتبين الأشياء ، ولا بد لكل منهما من مظهر ، فالسعداء ، وأعمالهم مظاهر اللطف ، وفائدة بعثة الأنبياء ، والكتب ترجع إليهم ( إنما أنت منذر من يخشاها ) كما أن فائدة نور الشمس لأهل البصر ، والأشقياء وأفعالهم مظاهر القهر ، وفائدة البعثة لهم إلزام الحجة لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وهي في الحقيقة نعي عليهم بالشقاوة ( ثم ينفخ ) : على البناء للمجهول ، وقيل : إنه معلوم ( فيه الروح ) : بالوجهين أي : ثم بعد هذا البعث لا قبله ، وعكس ذلك الواقع في رواية البيهقي المراد به ترتيب الأخبار فقط على أن [ ص: 154 ] رواية الشيخين مقدمة على غيرها . كذا ذكره ابن حجر ، لكن وقع في الأربعين النووية بلفظ : فينفخ فيه الروح ، ويؤمر إلخ . ونسب إلى الشيخين فتأمل ، فلعلهما لهما روايتان ، والله أعلم ( فوالذي لا إله غيره ) : القسم لإفادة التحقيق ، وتأكيد التصديق أي : إذا كان الشقاوة ، والسعادة مكتوبة فوالله الذي لا إله غيره ، وليعلم في أمر القضاء أن الكسب لا مدخل له في الحقيقة ( إن أحدكم ) : ولفظ المصابيح : فإن الرجل أي : الشخص ( ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون ) : في الموضعين بالرفع لا لأن ما النافية كافة عن العمل ، بل لأن المعنى على حكاية حال الرجل لا الإخبار عن المستقبل . كذا قاله السيد جمال الدين . وقال المظهر : حتى هي الناصبة ، وما نافية . ولفظة : يكون منصوبة بحتى ، وما غير مانعة لها من العمل . وقال ابن الملك : الأوجه أنها عاطفة ، ويكون بالرفع عطف على ما قبله ( بينه ، وبينها ) أي : بين الرجل ، وبين الجنة ( إلا ذراع ) : تمثيل لغاية قربها ( فيسبق عليه الكتاب ) : ضمن معنى يغلب ، ولذا عدي بعلى ، وإلا فهو متعد بنفسه أي : يغلب عليه كتاب الشقاوة ، والتعريف للعهد ، والكتاب بمعنى المكتوب أي : المقدر ، أو التقدير أي : التقدير الأزلي ، والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة . ( فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) : فيه إشارة إلى أن دخول النار لا يكون بمجرد تعلق العلم الإلهي ، بل لا بد من ظهور العمل المخلوقي فلا يكون جبرا محضا ، ولا قدرا بحتا ، وهذا مما سنح لي ، وقيل : لأن بذر الشقاوة ، والسعادة قد اختفى في الأطوار الإنسانية لا يبرز إلا إذا انتهى إلى الغاية الإيمانية ، أو الطغيانية ، والله أعلم . ( وإن أحدكم ) أي : الآخر ( ليعمل بعمل أهل النار ) : من الكفر ، والمعاصي ( حتى ما يكون ) : بالوجهين ( بينه ، وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ) : قيل : فيه دلالة ظاهرة على أن الأعمال أمارات لا موجبات ، وأن مصيرها إلى ما جرى به المقادير في البداية ( فيعمل بعمل أهل الجنة ) : بأن يستغفر ، ويتوب ( فيدخلها ) : أقول : في الحديث تنبيه على أن السالك ينبغي أن لا يغتر بأعماله الحسنة ، ويجتنب العجب ، والتكبر ، والأخلاق السيئة ، ويكون بين الخوف ، والرجاء ، ومسلما بالرضا تحت حكم القضاء ، وكذا إذا صدرت منه الأعمال السيئة فلا ييئس من روح الله تعالى الطيبة ، فإنها إذا بدت عين العناية ألحقت الآخرة بالسابقة ، وكذا الحال بالنسبة إلى العجز في الأعمال فلا يحكم لأحد بأنه من أهل الجنة والدرجات ، وإن عمل ما عمل من الطاعات ، أو ظهر عليه من خوارق العادات ، ولا يجزم في حق أحد بأنه من أهل النار والعقوبات ، ولو صدر منه جميع السيئات ، والمظالم ، والتبعات ، فإن العبر بخواتيم الحالات ، ولا يطلع عليها غير عالم الغيب ، والشهادات ، ثم اعلم أن ما يجري في العالم من الإيمان ، والكفر ، والسعادة ، والشقاوة من الكليات ، والجزئيات بتقدير الله ، وإيجاده ، إذ لا مؤثر في الوجود إلا الله المتعالي عن الشريك ذاتا وصفة ، وفعلا ، يفعل الله ما يشاء لا علة لفعله ، ولا معقب لحكمه ، لا يسأل عما يفعل ، ولا مجال للعقل في تحسين الأفعال وتقبيحها ، بل يحسن صدورها كلها عنه ، والاستقلال للعبد في الأفعال والمدح والذم باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية كما يمدح الشيء بحسنه والثواب ، والعقاب كسائر الأمور العادية ، فإن الله أجرى عادته بأن يوجد الأسباب أولا ، ثم يوجد المسببات عقيبها ، فكل منهما صادر عنه ابتداء ، وأما البعثة ، والتكليف فلأن الله يجب اتصافه بالأمر والنهي ، والوعد ، والوعيد ، ولا بد لها من مظهر كما كان كذلك في جميع الصفات فكلف العباد بهما ، ورتب عليه الوعد والوعيد إظهارا لمقتضى سلطته كما قال : كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأن أعرف ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية