صفحة جزء
[ ص: 739 ] باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

الفصل الأول

919 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، قال : " قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .


[ 16 ] باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها .

أي : باب حكم الصلاة وثوابها ، اعلم أن العلماء اختلفوا في أن الأمر في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، هل هو للندب أو للوجوب ؟ ثم هل الصلاة عليه فرض عين ، أو فرض كفاية ، ثم هل تتكرر كلما جمع ذكره أم لا ؟ وإذا تكرر هل تتداخل في المجلس أم لا ؟ فذهب الشافعي إلى أن الصلاة في القعدة الأخيرة فرض ، والجمهور على أنها سنة ، وبسط هذا المبحث في القول البديع في الصلاة على الشفيع للسخاوي ، رحمه الله ، والمعتمد عندنا الوجوب والتداخل .

الفصل الأول .

919 - ( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ) : صحابي شهد أحدا وما بعدها كذا في التهذيب ، وقال في التقريب : أنصاري مدني كوفي ثقة من الثانية ، اختلف في سماعه من عمر ( قال : لقيني كعب بن عجرة ) : بضم العين وسكون الجيم ( فقال : ألا أهدي لك هدية ) : الهمزة للاستفهام لقوله : بلى ( سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : الفاء ، للتفسير إذ التقدير : أردنا السؤال ( فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم ) : فيه تغليب ، ويدل عليه الحديث الآتي : كيف نصلي عليك ؟ ( أهل البيت ؟ ) : بالنصب على المدح والاختصاص ، أو على أنه منادى مضاف ، ويجوز جره بكونه عطف بيان لضمير المخاطب ، أما قول ابن حجر : وبالجر على أنه بدل من ضمير عليكم ، ففيه أنه لا يبدل ظاهر من مضمر بدل الكل إلا من الغائب مثل : ضربته زيدا كما في الكافية لابن الحاجب ، وهذا من الفروق اللفظية بين عطف البيان وبدل الكل ( فإن الله قد علمنا ) ، أي : في التحيات بواسطة لسانك ( كيف نسلم عليك ) ، أي : بأن نقول السلام عليك أيها النبي إلخ ، كذا قيل ، وحاصله : أن الله قد أمرنا بالصلاة والسلام عليك ، وقد علمنا كيف السلام عليك ، والأظهر أنه عليه السلام أمرهم قال : بالصلاة عليه ، وعلى أهل بيته ، ولما لم يعرفوا كيفيتها سألوه عنها مقرونا بالإيماء ، إلى أنه مستحق للسلام أيضا إلا أنه معلوم عندهم بتعليم الله إياهم بلسانه ، فأرادوا [ تعليم ] الصلاة أيضا على لسانه [ بأن ] ثواب الوارد أفضل وأكمل ، وفيه إشعار إلى عجزهم عن كيفية أداء الثناء عليه ، كما قال عليه السلام في حق الباري : " سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .

قال المظهر : أي علمنا الله كيف الصلاة والسلام عليك في قوله : ( صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، فكيف نصلي على أهل بيتك ؟ وفيه أن الكيفية غير مستفادة من الآية ، وإنما المستفاد منها الأمر بهما ، كما هو الظاهر ، ( قال : " قولوا : اللهم صل على محمد " ) : قال ابن حجر : وفيه رواية للشيخين : ألا أهدي لك هدية ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ وفي رواية سندها جيد : لما نزلت هذه الآية إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل إلى [ ص: 740 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم صل على محمد " الحديث ، وفي أخرى لمسلم وغيره : أمرنا الله أن نصلي عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فسكت عليه السلام حتى تمنينا أنه لم يسأل ، ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد " إلخ ، وفي آخره : " والسلام كما علمتم " ، أي : بفتح فكسر أو بضم فكسر مع تشديد اللام ، أي النهاية : أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته ، وقيل : لما أمرنا الله بالصلاة عليه ولم يعلمنا كيفيتها أحلنا على الله فقلنا : اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم ، بما يليق به عليه الصلاة والسلام ، ( وعلى آل محمد " ) : قيل : الآل من حرمت عليه الزكاة كبني هاشم وبني المطلب ، وقيل : كل تقي آله ، ذكره الطيبي ، وقيل : المراد بالآل جميع أمة الإجابة ، وقيل : المراد بالآل الأزواج ومن حرمت عليه الصدقة ويدخل فيهم الذرية ، وبذلك يجمع بين الأحاديث .

وقال ابن حجر : هم مؤمنو بني هاشم والمطلب عند الشافعي وجمهور العلماء ، وقيل : أولاد فاطمة ونسلهم ، وقيل : أزواجه وذريته لأنهم ذكروا جملة في رواية ، ورد بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة في حديث واحد ، وقيل : كل مسلم ، ومال إليه مالك ، واختاره الزهري وآخرون ، وهو قول سفيان الثوري وغيره ، ورجحه النووي في شرح مسلم ، وقيده القاضي حسين بالأتقياء ، ويؤيده ما روى تمام في موائده ، والديلمي عن أنس قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آل محمد ؟ فقال : " كل تقي من آل محمد " زاد الديلمي : ثم قرأ : إن أولياؤه إلا المتقون ( كما صليت على إبراهيم " ) : ذكر في وجه تخصيصه من بين الأنبياء اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، متفق عليه ، إلا أن مسلما لم يذكر : " على إبراهيم " في الموضعين .

- وجوه ، أظهرها كونه جد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا ، بمتابعته في أصول الدين ، أو في التوحيد المطلق والانقياد المحقق ( " وعلى آل إبراهيم " ) : وهم إسماعيل وإسحاق وأولادهما . في التشبيه إشكال مشهور ، وهو أن المقرر كون المشبه دون المشبه به ، والواقع هنا عكسه ; لأن محمدا وحده صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم وآله ، وأجيب بأجوبة منها : أن هذا قبل أن يعلم أنه أفضل ، ومنها : أنه قال تواضعا ، ومنها : أن التشبيه في الأصل لا في القدر كما قيل في : كما كتب على الذين من قبلكم وكما في إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ، وأحسن كما أحسن الله إليك ومنها أن الكاف للتعليل كقوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم ومنها : أن التشبيه معلق بقوله : وعلى آل محمد ، ومنها : أن التشبيه بها هو للمجموع بالمجموع ، فإن الأنبياء من آل إبراهيم كثيرة وهو أيضا منهم ، ومنها : أن التشبيه من باب إلحاق ما يشتهر ، بما اشتهر ، ومنها : أن المقدمة المذكورة مدفوعة ، بل قد يكون التشبيه بالمثل وبما دونه كما في قوله تعالى : مثل نوره كمشكاة ( " إنك حميد " ) : فعيل ، بمعنى مفعول ، أي : محمود في ذاته وصفاته وأفعاله بألسنة خلقه ، أو بمعنى فاعل فإنه يحمد ذاته وأولياءه ، وفي الحقيقة هو الحامد وهو المحمود ، ( " مجيد " ) ، أي : عظيم كريم ، ( " اللهم بارك على محمد " ) ، أي : أثبت وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وأصله من ( برك البعير ) إذا أناخ في موضعه ولزمه ، وتطلق البركة على الزيادة ، والأصل هو الأول ( " وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " ) : وصح عند مسلم وغيره زيادة : " في العالمين " هنا وثمة وهي متعلقة ، بمحذوف دل عليه السياق ، أي : أظهر الصلاة والبركة على محمد وعلى آله في العالمين ، كما أظهرتهما على إبراهيم وآله في العالمين ( " إنك حميد مجيد " ) : وهنا زيادة على أصل السؤال ووقع تتميما للكمال ، ( متفق عليه ) : قالميرك : ولفظه للبخاري ، ورواه الأربعة ، ( إلا أن مسلما لم يذكر " على إبراهيم " في الوضعين ) : وقال الأبهري : ولم يذكر البخاري أيضا في الثاني ، وقال : وبارك على آل إبراهيم اهـ .

فالآل مقحمة أو فيه تغليب ، أي : آل إبراهيم معه ، قال ابن حجر : فهي من زيادات البخاري هنا ، وسيأتي أنهما اتفقا عليها من غير كعب ، إلا أنهما لم يذكرا : كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، وإنما ذكرها الحاكم في المستدرك ، كما ذكره بعض الحفاظ ، فعجيب إدراج المؤلف وأصله لها في روايتيهما .

[ ص: 741 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية