صفحة جزء
[ ص: 799 ] 1015 - وعن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا ؟ فليطرح الشك ، ويبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان " ، رواه مسلم ، ورواه مالك عن عطاء مرسلا ، وفي روايته : " شفعها بهاتين السجدتين " .


1015 ( وعن عطاء بن يسار ) : هو مولى أم سلمة ( عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا شك أحدكم في صلاته " ) ، أي : تردد بلا رجحان فإنه مع الظن يبني عليه عندنا خلافا للشافعي ، ( " فلم يدر كم صلى ثلاثا " ) : تمييز رافع لإبهام العدد في كم ( " أو أربعا " ) ، أي : مثلا ( " فليطرح الشك " ) ، أي : ما يشك فيه وهو الركعة الرابعة يدل عليه قوله ( " وليبن " ) : بسكون اللام وكسره ( " على ما استيقن " ) ، أي : علم يقينا وهو ثلاث ركعات ( " ثم يسجد " ) : بالجزم ، وفي نسخة بالرفع ( " سجدتين " ) : في الأزهار : ويجوز فيه الجزم عطفا على ليبن ، والرفع خبر أو بمعنى الأمر إشارة إلى المغايرة في الحكم وجوبا أو ندبا ( " قبل أن يسلم " ) .

قال الطيبي : فيه دليل على أن وقت السجود قبل السلام وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة والثوري : موضعه بعد السلام ، وتمسكا بحديث ابن مسعود ، وحديث أبي هريرة وهو مشهور بقصة ذي اليدين ، قلت : الحديثان متفق عليهما ، والثاني وافقهما الأربعة ، والحديث الأول من أفراد مسلم فالعلم بالأصح والأكثر أولى ، ثم قال الطيبي : وقال مالك - وهو قول قديم للشافعي - إن كان السجود لنقصان قدم وإن كان لزيادة أخر ، وحملوا الأحاديث على الصورتين توفيقا بينهما ، قلت : لكن أبو يوسف ألزم مالكا بقوله : فكيف إذا وقع نقصان وزيادة ؟ ثم قال الطيبي : واقتفى أحمد موارد الحديث وفصل بحسبها فقال : إن شك في عدد الركعات قدم وإن ترك شيئا ثم تداركه أخر ، وكذا إن فعل ما لا نقل فيه ، قلت : هو أيضا فيما لا نقل فيه مشترك الإلزام ، وقيل : الخلاف في الأفضل لا في الجواز وهو الأظهر ، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث ، والله أعلم .

( " فان كان صلى خمسا " ) : تعليل للأمر بالسجود ، أي : فإن كان ما صلاه في الواقع أربعا فصار خمسا بإضافته إليه ركعة أخرى ( " شفعن " ) : بتخفيف الفاء وتشديدها ( " له صلاته " ) : وإسناد الفعل إلى الخمس مجازي ، قال الطيبي : الضمير في " شفعن " للركعات الخمس ، وفي " له " للمصلي يعني : شفعت الركعات الخمس صلاة أحدكم بالسجدتين يدل عليه قوله الآتي : شفعها هاتين السجدتين ، أي : شفع المصلي الركعات الخمس بالسجدتين .

وقال ابن حجر : أي الركعة الخامسة والسجدتان للرواية الصحيحة الآتية ، كانت الركعة والسجدتان نافلة له ، أي : وصارت صلاته شفعا باقيا على حاله ، وفيه أوضح رد على من قال : يأتي بركعة سادسة حتى تصير صلاته شفعا ؛ انتهى ، وفيه أن الشفع الحكمي ما ينافي الشفع الحقيقي ، وأغرب ابن حجر ، وجعل كلام الطيبي بالمحال أشبه ، ويشبه أنه ما فهم كلامه على الحقيقة أو حمله على الحقيقة وهو قد أراد به المجاز ، ( " وإن كان صلى إتماما لأربع " ) : قيل نصبه على أنه مفعول له يعني : إن كان صلى ما يشك فيه لإتمام أربع ، وقيل : أنه حال ، أي : إن صلى ما شك فيه حال كونه متمما للأربع ، فيكون قد أدى ما عليه من غير زيادة ولا نقصان ، ( " كانتا ترغيما للشيطان " ) ، أي : وإن صارت صلاته بتلك الركعة أربعا كانتا ، أي : السجدتان ترغيما ، أي : إذلالا للشيطان حيث أتى ما أبى عنه للعين ، قال القاضي : القياس أن لا يسجد إذ الأصل أنه لم يزد شيئا ، لكن صلاته لا تخلو عن أحد خللين : إما الزيادة وإما أداء الرابعة على التردد ، فيسجد جبرا للخلل ، والتردد لما كان من تسويل الشيطان وتلبيسه سمي جبره ترغيما له ( رواه مسلم ، ورواه مالك عن عطاء مرسلا ) : قال ابن عبد البر : الحديث متصل بسند صحيح ، ولا يضر تقصير من أرسله ; لأن الذين وصلوه حفاظ مقبولة زيادتهم ، ( وفي روايته ) ، أي : رواية مالك بدل : " شفعن له صلاته " ، ( " شفعها بهاتين السجدتين " ) ، أي : لما بنى على اليقين وصلى ركعة أخرى ، فإذا صارت صلاته خمسا شفعها ، أي : جعل الخمس شفعا بهاتين السجدتين ، لأنها تصير ستا بهما حيت أتى بمعظم أركان الركعة وهو السجود ، فكأنه أتى بالركعة السادسة ، وقول ابن الملك هنا ، وبه قال الشافعي وعند أبي حنيفة يصلي ركعة سادسة سهو ظاهر وخطأ باهر ; لأن الكلام هنا في المقدر ، والخلاف إنما هو في المحقق ، نعم كلامه يلائم الحديث الآتي ، مع أن ضم ركعة أخرى مندوب .

[ ص: 800 ] وقال ابن حجر : وفي رواية صحيحة لأبي داود : " إذا شك أحدكم فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا ؟ فليلق الشك وليبن على اليقين ويسجد سجدتين قبل السلام ، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدة نافلة له ، وإن كانت ناقصة كانت الركعة إتماما للصلاة ، والسجدتان مرغمتان أنف الشيطان " ، وفيها التصريح بعدم وجوب سجود السهو كما هو مذهبنا ؛ انتهى ، وهو غير محتمل فضلا عن أن يكون صريحا في النظر الصحيح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية