صفحة جزء
[ ص: 848 ]

[ 24 ] باب تسوية الصف

الفصل الأول

1085 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح ، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ، ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر ، فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : " عباد الله ! لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم " . رواه مسلم .


[ 24 ] باب تسوية الصف

أي في الصلاة ، وفي نسخة : الصفوف ، والمراد بالأول الجنس ، قال تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .

الفصل الأول

1085 - ( عن النعمان بن بشير ) : أسلم صغيرا ، ولأبويه صحبة ، مات النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وسبعة أشهر ، ذكره المؤلف . ( قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا ) أي : بيده أو بأمره ( حتى كأنما يسوي بها ) أي : بالصفوف أو بالتسوية ( القداح ) : جمع القدح بكسر القاف ، وهو السهم قبل أن يراش ويركب نصله ، وضرب المثل له للمتساويين أبلغ الاستواء في المعنى المراد منه ; لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد الانتهاء في الاستواء ، وإنما جمع مع الغنية عنه بالمفرد لمكان الصفوف ، أي : يسوي كل صف على حدة كما يسوي الصانع كل قدح على حدته ، هذا كلام الطيبي ، وابن الملك ، وابن حجر ، والأظهر أن الجمع متعين لمكان إفراد الصف لا الصفوف والله أعلم . قيل روعي قوله يسوي بها القداح نكتة ; لأن الظاهر كأنما يسويها بالقداح ، والباء للآلة كما في : كتبت بالقلم ، فعكس وجعل الصفوف هي التي يسوى بها القداح مبالغة في الاستواء ذكره الطيبي . ولا يظهر معنى كون الباء للآلة على جعل الضمير إلى الصفوف كما في ظاهر كلامه ، فالأظهر أن ضمير ( بها ) راجع إلى التسوية المفهومة من الفعل ، أو الضمير راجع إلى الصفوف ، والباء متعلقة بمقدر ، أي : مشبها بها ، والعكس للمبالغة . ( حتى رأى ) أي : علم ( أنا قد عقلنا ) أي : فهمنا التسوية ( عنه ) : قال الطيبي ، أي لم يبرح يسوي صفوفنا حتى استوينا استواء إرادة منا وتعلقناه من فعله ( ثم خرج يوما ) أي إلى المسجد ( فقام ) أي : في مقام الإمامة ( حتى كاد أن يكبر ) أي : قارب أن يكبر تكبيرة الإحرام ( فرأى رجلا باديا ) : بالياء ، أي : ظاهرا خارجا ( صدره من الصف ) أي : من صدور أهل الصف الأول ( فقال : " عباد الله ! ) : بالنصب على حذف حرف النداء لكمال قربهم ، وقال ابن حجر : لم ينهه بخصوصه جريا على عادته الكريمة مبالغة في الستر ، ( لتسون صفوفكم ) : قال القاضي : اللام هي التي يتلقى بها القسم ، ولكونه في معرض قسم مقدر أكده بالنون المشددة . ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

قال القاضي : أو للعطف ردد بين تسويتهم الصفوف وما هو كاللازم ، وهو اختلاف الوجوه لنقيضها ، فإن تقدم الخارج صدره عن الصف تفرق على الداخل ، وذلك قد يؤدي إلى وقوع الضغينة فيما بينهم ، وإيقاع المخالفة كناية عن المهارة والمعاداة ، يعني : فتختلف قلوبهم ، واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجود بإعراض بعضهم عن بعض ، وقيل : التقدير : بين وجوه قلوبكم بأن يرفع التألف والتحاب .

قال المظهر : يعني : أدب الظاهر علامة أدب الباطن ، فإن لم تطيعوا أمر الله ورسوله في الظاهر يؤدي ذلك إلى اختلاف القول ، فيورث كدورة ، فيسري ذلك إلى ظاهركم ، فيقع بينكم عداوة بحيث يعرض بعضكم عن بعض ، وقيل : معنى مخالفة الوجوه تحولها إلى الإدبار ، أو تغير صورها إلى صور أخرى ، فيكون محمولا على التهديد ، أو يكون إشارة إلى أن المخالفة قد تؤدي إلى هذه الحالة . ( رواه مسلم ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي .

[ ص: 849 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية