صفحة جزء
92 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) : يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ، ويرفع ) متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : ( يمين الله ملأى - قال ابن نمير : ملآن - سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار )


92 - ( وعن أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يد الله ) : كناية عن محل عطائه أي : خزائنه ( ملأى ) : على زنة فعلى ، تأنيث ملآن كناية عن كثرة تلك النعمة وعمومها ( لا تغيضها ) : بالتأنيث ، وقيل بالياء أي : لا تنقصها ( نفقة ) أي : إنفاق . ( سحاء ) : بالمهملتين ، والمد من سح الماء إذا سال من فوق ، ومن سححت الماء أي : صببته صفة لنفقة ، أو ليد ، وهو الأصح ، وقوله : ( الليل ، والنهار ) : منصوبان على الظرف أي : دائمة الصب في الليل والنهار ، وثبت في صحيح مسلم سحا بلفظ المصدر ، وفي رواية لمسلم : سح الليل ، والنهار بفتح الحاء ، والإضافة قاله الأبهري ، وفيه إشارة إلى أنها المعطية عن ظهر غنى ؛ لأن الماء إذا انصب من فوق انصب بسهولة ، وإلى جزالة عطاياه ؛ لأن السح يستعمل فيما بلغ وارتفع عن القطر حد السيلان ، وإلى أنه لا مانع لإعطائه لأن الماء إذا أخذ في الانصباب لم يستطع أحد أن يرده ( أرأيتم ) : أخبروني ، وقيل : أعلمتم ، وأبصرتم ( ما أنفق ) : ما مصدرية ، أي : إنفاق الله ، وقيل : ما موصولة متضمنة معنى الشرط ( مذ خلق السماء والأرض ؟ ) أي : من أول زمان خلق أهلهما ( فإنه ) أي : الإنفاق ( لم يغض ) : بفتح الياء ، وكسر الغين لم ينقص ( ما في يده ) : موصولة مفعول أي : في خزائنه . وقال الطيبي : يد الله ملأى أي : نعمته غزيرة كقوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) فإن بسط اليد مجاز [ ص: 167 ] عن الجود ، ولا قصد إلى إثبات يد ولا بسط ؛ كذا في الكشاف . وقال المظهر : يد الله أي : خزائن الله . قيل : إطلاق اليد على الخزائن لتصرفها فيها ، والمعني بالخزائن قوله : ( كن فيكون ) لأنه له القدرة على إيجاد المعدوم ، ولذلك لا ينقص أبدا ، وقوله : ملأى ولا تغيضها ، وسحاء ، وأرأيتم على تأويل القول أي : مقول فيها أخبار مترادفة ليد الله ، ويجوز أن تكون الثلاثة الأخيرة وصفا لملأى ، وأن يكون أرأيتم استئنافا ، وقوله : ( وكان عرشه على الماء ) : حال من ضمير خلق ، وكذا قوله ( وبيده الميزان ) : حال منه ، أو من خبر كان ، أو اسمه على رأي سيبويه ، وسيأتي تحقيق معنى قوله : وكان عرشه على الماء في باب بدء الخلق ، ومعنى قوله بيده الميزان : بقدرته وتصرفه ميزان الأعمال ، والأرزاق ( يخفض ، ويرفع ) أي : ينقص النصيب ، والرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ، ويزيد بالنظر إليه . بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول ، أو يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه يقللها لمن يشاء ، ويكثرها لمن يشاء كمن بيده الميزان ؛ يخفض تارة ، ويرفع أخرى ، وقيل : المراد به العدل يعني ينقص العدل في الأرض تارة بغلبة الجور وأهله ، ويرفعه تارة بغلبة العدل وأهله ( متفق عليه ) .

( وفي رواية لمسلم ) : ( يمين الله ملأى ) : قيل : خص اليمين ؛ لأنها مظنة العطاء ، أو إشارة إلى يمن العطاء وبركته ، فمن تلقاه بالقبول والرضا بورك له في قليله حتى فاق على كثير ليس كذلك على ما هو مشاهد ، وورد في الحديث : ( وكلتا يديه يمين ) أي : مباركة قوية قادرة لا مزية لإحداهما على الأخرى ، ولعله أراد باليدين التصرفين من إعطاء الجزيل ، والقليل . ( قال ابن نمير ) : بالتصغير أي : عبد الله في روايته ( ملآن ) أي : رواه كذا . قال النووي : قالوا : هنا غلط منه ، وصوابه ملأى بالتأنيث كما في سائر الروايات . قال الطيبي : إن أرادوا رده رواية ، ونقلا فلا نزاع ، وإن أرادوا رده لعدم المطابقة ، فإن اليد مؤنثة فأمره سهل ؛ لأن معنى يد الله إحسانه وإفضاله . قلت : وفيه أنه لا يلائمه . قوله : ( سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية