صفحة جزء
[ ص: 862 ] [ 26 ] باب الإمامة

الفصل الأول

1117 - عن أبي مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ; فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة ; فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة ; فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم سنا ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه . ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " . رواه مسلم . وفي رواية له : " ولا يؤمن الرجل الرجل في أهله " .


[ 26 ] باب الإمامة

قال ابن الملك : مصدر أم القوم في صلاتهم .

الفصل الأول

1117 - ( عن أبي مسعود ) أي : الأنصاري ، وقال ابن حجر : أي : البدري ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم ) : قال الطيبي : بمعنى الأمر ، أي : ليؤمهم ( أقرؤهم ) : قال ابن الملك ، أي أحسنهم قراءة ( لكتاب الله ) اهـ . والأظهر أن معناه أكثرهم قراءة . بمعنى أحفظهم للقرآن ، كما ورد : أكثركم قرآنا ، قيل : إنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأقرأ ; لأن الأقرأ في زمانه كان أفقه ; إذ لو تعارض فضل القراءة فضل الفقه قدم الأفقه إذا كان يحسن من القراءة ما تصح له الصلاة ، وعليه أكثر العلماء ، فيئول المعنى إلى أن المراد أعلمهم بكتاب الله ، وذهب جماعة إلى تقدم القراءة على الفقه ، وبه قال أبو يوسف عملا بظاهر الحديث في شرح السنة لم يختلفوا في أن القراءة والفقه مقدمان على غيرهما ، واختلفوا في الفقه مع القراءة ، فذهب جماعة إلى تقدمها على الفقه ، وبه قال أصحاب أبي حنيفة أي بعضهم عملا بظاهر الحديث ، وذهب قوم إلى أن الفقه أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تصح به الصلاة ، وبه قال مالك ، والشافعي ; لأن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة ; لأنه محصور وما يقع فيها من الحوادث غير محصور ، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته ، وهو لا يعلم إذا لم يكن فقيها ، ( فإن كانوا ) أي : القوم ( في القراءة ) أي : في مقدارها ، أو حسنها ، أو عملها ، أو في العلم بها ( سواء ) أي : مستوين ( فأعلمهم بالسنة ) : قال الطيبي : أراد بها الأحاديث فالأعلم بها كان هو الأفقه في عهد الصحابة ، واستدل به من قال : إن القراءة مقدمة على الفقه كسفيان الثوري ، وبه عمل أبو يوسف ، وخالفه صاحباه وقالا : الفقيه أولى إذا كان يعلم من القرآن قدر ما تجوز به الصلاة ; لأن الحاجة في الصلاة إلى الفقه أكثر ، وإليه ذهب مالك والشافعي . وأجابوا عن الحديث : بأن الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلم بأحوال الصلاة ولا كذلك في زماننا .

قال ابن حجر : وبعض أصحابنا يقدم الأقرأ كما دل عليه الحديث ، وقال مالك ، والشافعي : يقدم الأفقه لتقديمه عليه السلام أبا بكر في الصلاة على غيره ، مع أنه عليه السلام نص على أن غيره أقرأ منه ، بل لم يجمع القرآن في حياته عليه السلام إلا أربعة من الأنصار : أبي ، ومعاذ ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . رواه البخاري .

وقال النووي : لكن في قوله : فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، دليل على تقديم الأقرأ مطلقا . وأجاب عنه غير واحد ; بأنه قد علم أن المراد بالأقرأ في الخبر الأفقه في القرآن ، فإذا استووا في القرآن فقد استووا في فقهه ، فإذا زاد أحدهم بفقه السنة فهو أحق ، فلا دلالة في الخبر على تقديم الأقرأ مطلقا ، بل على تقديم الأقرأ الأفقه في القراءة على من دونه ، ولا نزاع فيه . وقضية كلام الشافعي وجرى عليه جمع من أصحابه أن المراد بالأقرأ الأكثر حفظا لا قرآنا ، واعترض بأن في رواية لمسلم : " أقرؤهم لكتاب الله " ، " وأكثرهم قراءة " ، فقوله : وأكثرهم قراءة يؤيد القول الثاني أن المراد به الأكثر قرآنا ، وفي خبر البخاري : " وليؤمكم أكثركم قرآنا " اهـ .

والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدم أبا بكر لكونه جامعا للقرآن ، والسنة ، والسبق ، والهجرة ، والسن ، والورع ، وغير ذلك ما لم يجتمع في غيره من الصحابة ، وبهذا صار أفضلهم ، ولا ينافي أن يكون في المفضول مزية من وجه على الأفضل فتأمل ، فإنه موضع زلل ومحل خطل . ( فإن كانوا ) أي : بعد استوائهم في القراءة ( في السنة ) أي : في العلم بها ; لأنه لا عبرة بالرواية دون الدراية في هذا المقام ( سواء ، فأقدمهم هجرة ) أي : انتقالا من مكة [ ص: 863 ] إلى المدينة قبل الفتح ، فمن هاجر أولا فشرفه أكثر ممن هاجر بعده ، قال تعالى : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) الآية ، وقال الطيبي : الهجرة اليوم منقطعة وفضيلتها موروثة ، فأولاد المهاجرين مقدمون على غيرهم اهـ . وهو موضع بحث .

قال ابن الملك : والمعتبر اليوم الهجرة المعنوية ، وهي الهجرة من المعاصي ، فيكون الأورع أولى . ( فإن كانوا ) أي : بعد استوائهم فيما سبق ( في الهجرة سواء ، فأقدمهم سنا ) أي : في الإسلام ; لأنه في معنى الأقدم في الهجرة والأسبق في الإيمان ، ويؤيده ما في رواية مسلم فأقدمهم مسلما ، وقال ابن الملك : وإنما جعل الأسن أقدم ; لأن في تقديمه تكثير الجماعة ، قال ابن الهمام : وأحسن ما يستدل به المختار الجمهور حديث : " مروا أبا بكر فليصل " وكان ثم من هو أقرأ منه لا أعلم دليل الأول قوله عليه السلام : " أقرؤكم أبي " ، ودليل الثاني قول أبي سعيد : كان أبو بكر أعلمنا ، وهذا آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون المعول عليه . أقول : ولزيادة سبقه بالإيمان وتقدمه في الهجرة وكبر سنه في الإسلام قال : وروى الحاكم عنه عليه السلام : " إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم " فإن صح وإلا فالضعيف غير الموضوع يعمل به في فضائل الأعمال ، ثم محل ما بعد التساوي في العلم والقراءة ، والذي في الحديث الصحيح بعدهما التقديم بالهجرة ، وقد انتسخ وجوب الهجرة فوضعوا مكانها الهجرة عن الخطايا .

وفي حديث : المهاجر من هجر الخطايا والذنوب إلا أن يكون أسلم في دار الحرب ، فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام ، فإذا هاجر فالذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها وكذا إذا استويا في سائر الفضائل ، إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم ، وحديث : " وليؤمكما أكبركما " تقدم في باب الأذان ، فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم خلقا ، فإن كانوا سواء فأحسبهم ، فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها ، ثم إن استووا في الحسن فأشرفهم نسبا ، فإن كانوا سواء في هذه كلها أقرع بينهم أو الخيار إلى القوم .

( ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ) أي : في مظهر سلطنته ومحل ولايته ، أو فيما يملكه ، أو في محل يكون في حكمه ، ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى في أهله ، ورواية أبي داود في بيته ولا سلطانه ، ولذا كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، وصح عن ابن عمر أن إمام المسجد مقدم على غير السلطان ، وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادهم ، فإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة ، وخلع ربقة الطاعة ، وكذلك إذا أمه في قومه وأهله أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع ، وظهور الخلاف الذي شرع لدفعه الاجتماع ، فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة ، لا سيما في الأعياد والجمعات ، ولا على إمام الحي ورب البيت إلا بالإذن . قاله الطيبي ( ولا يقعد ) : بالجزم ، وقيل بالرفع ، أي الرجل ( في بيته ) أي : بيت الرجل الآخر ( على تكرمته ) : كسجادته أو سريره وهي في الأصل مصدر كرم تكريما أطلق مجازا على ما يعد للرجل إكراما له في منزله ( إلا بإذنه ) : قالابن الملك : متعلق بجميع ما تقدم .

( رواه مسلم . وفي رواية له : " ولا يؤمن الرجل الرجل في أهله ) أي : ولو كان أفضل منه لما تقدم إلا بإذنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية