صفحة جزء
[ ص: 168 ] الفصل الثاني

94 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب فقال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر . فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد ) . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب إسنادا .


الفصل الثاني

94 - ( عن عبادة بن الصامت ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما خلق الله القلم : بالرفع وهو ظاهر ، وروي بالنصب ، قال بعض المغاربة : رفع القلم هو الرواية فإن صح النصب كان على لغة من ينصب خبر إن ، وقال المالكي : يجوز نصبه بتقدير كان ؛ على مذهب النسائي كقوله :


يا ليت أيام الصبا رواجعا



وقال المغربي : لا يجوز أن يكون القلم مفعول خلق ؛ لأن المراد أن القلم أول مخلوق ، وإذا جعل مفعولا لخلق أوجب أن يقال اسم إن ضمير الشأن ، وأول ظرف ، فينبغي أن تسقط الفاء من قوله فقال ؟ إذ يرجع المعنى إلى أنه قال له : اكتب حين خلقه فلا إخبار بكونه أول مخلوق اهـ . وإنما أوجب ما ذكر ؛ لأنه بدونه يفسد أصل المعنى إذ يصير التقدير أن أول شيء خلق الله القلم ، وهو غير صحيح ، وقيل : لو صحت الرواية بالنصب لم تمنع الفاء ذلك إذ يقدر قبل فقال : أمره ، وهو العامل في الظرف كذا حققه الطيبي ، وفيه أنه حينئذ لا يكون تنصيص على أولية خلق القلم الذي يدل عليه رواية الرفع الصحيحة ، وفي الأزهار : أول ما خلق الله القلم يعني بعد العرش والماء ، والريح لقوله - عليه الصلاة والسلام - : وكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات ، والأراضين بخمسين ألف سنة ، وعرشه على الماء . رواه مسلم . وعن ابن عباس سئل عن قوله تعالى : ( وكان عرشه على الماء ) على أي شيء كان الماء ؟ قال : على متن الريح . رواه البيهقي ذكره الأبهري ، فالأولية إضافية ، والأول الحقيقي هو النور المحمدي على ما بينته في المورد للمولد . ( فقال ) أي : الله ، وفي نسخة صحيحة ( له ) ، أي : للقلم ( اكتب ) : أمر بالكتابة ( قال ) : وفي نسخة بالفاء ( ما أكتب ؟ ) : ما استفهامية مفعول مقدم على الفعل ( قال : اكتب القدر ) أي : المقدر المقضي ، وفي المصابيح قال : القدر ما كان إلخ . قال شراحه أي : اكتب القدر فنصبه بفعل مقدر ، وما كان بدل من المقدر ، أو عطف بيان ( فكتب ما كان ) : المضي بالنسبة إليه - عليه الصلاة والسلام - . قال الطيبي : ليس حكاية عما أمر به القلم ، وإلا لقيل فكتب ما يكون ، وإنما هو إخبار باعتبار حاله - عليه الصلاة والسلام - أي : قبل تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لا قبل القلم ؛ لأن الغرض أنه أول مخلوق . نعم إذا كانت الأولية نسبية صح أن يراد ما كان قبل القلم ، ( وما هو كائن ) ما : موصولة ( إلى الأبد ) : قال الأبهري : ما كان يعني العرش ، والماء ، والريح ، وذات الله وصفاته اهـ .

ويمكن أن يحمل ما كان على القضاء ، وما هو كائن على القدر ، والله أعلم ، ظهر لي فيه إشكال ، والله أعلم بالحال ، وهو : أن ما لا يتناهى في المآل كيف ينحصر ، وينضبط تحت القلم في الاستقبال سيما مع قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( جف القلم ) اللهم إلا أن يقال المراد به كتابة الأمور الإجمالية الكلية لا الأحوال التفصيلية الجزئية ، وهو خلاف ظواهر الأدلة المروية ، ثم رأيت الأبهري نقل عن زين العرب أن الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع ، فالجمع بينه وبين إلى ممتنع ؛ لأنه لا يمكن وصول شيء إليه حتى ينتهي . قلت : يحمل الأبد - على الزمان الطويل اهـ .

وفيه أن الزمان الطويل الله أعلم أنه انقراض العالم ، أو استقرار الفريقين في الموضعين ، ويلزم منه أن لا تكون أحوال الدارين مكتوبة ، والله أعلم ، ثم رأيت في الدر المنثور نقلا عن ابن عباس : أن أول شيء خلقه الله القلم ؛ فقال له : اكتب . فقال : يا رب ، وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر يجري من ذلك بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم طوي الكتاب ، ورفع القلم رواه البيهقي وغيره والحاكم ، وصححه . وفي الدر أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن أول شيء خلق الله القلم ، ثم النون ، وهي الدواة ، ثم قال له : اكتب ، [ ص: 169 ] قال : وما أكتب ؟ قال : ما كان ، وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل ، أو أثر ، أو رزق ، أو أجل ، فكتب ما يكون ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم ختم على فم القلم فلم ينطق ، ولا ينطق إلى يوم القيامة ) أخرجه الحكيم الترمذي ، هذا وروي : أن أول ما خلق الله العقل ، وإن أول ما خلق الله نوري ، وإن أول ما خلق الله روحي ، وإن أول ما خلق الله العرش ، والأولية من الأمور الإضافية فيؤول أن كل واحد مما ذكر خلق قبل ما هو من جنسه ، فالقلم خلق قبل جنس الأقلام ، ونوره قبل الأنوار ، وإلا فقد ثبت أن العرش قبل خلق السماوات ، والأرض ، فتطلق الأولية على كل واحد بشرط التقييد فيقال : أول المعاني كذا ، وأول الأنوار كذا ، ومنه قوله ( أول ما خلق الله نوري ) ، وفي رواية : روحي ، ومعناهما واحد ، فإن الأرواح نورانية أي : أول ما خلق الله من الأرواح روحي ( رواه الترمذي ، وقال : هذا الحديث غريب إسنادا ) أي : لا متنا ، والمراد به حديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة ، وانفرد واحد بروايته عن صحابي آخر ، ومنه قول الترمذي : غريب من هذا الوجه ، واستيفاء هذا المبحث في أصول الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية