وهذا أحد الوجهين مما ذكره التوربشتي ، والوجه الآخر له أن يقال : إن التضعيف في الحسنات يوجد على حسب استعداد العبد وصلاحه في دينه ، فمهما كان مرتكبا للخطايا نقص من ثواب عمله فيما يتعلق بالتضعيف ما يوازي انحطاطه في المرتبة بما اجترحه من الخطايا ، مثل أن يقدر أن ذا رهق عمل حسنة ، فأثيب عليها عشرا ، ولو لم يكن رهقه لأثيب أضعاف ذلك ، فهذا الذي نقص من التضعيف بسبب ما ارتكبه من الذنب هو المراد من الإحباط . وقال الطيبي ما خلاصته : إن الحسنات لا تقبل بواسطة الحسد ، لأنها تحبط به ، قلت : المعنيان متقاربان مع أن الأحاديث الواردة في نفي القبول محمولة على نفي الكمال ، وكذا قوله تعالى : إنما يتقبل الله من المتقين عند أهل السنة فقوله : إن تلك الحسنات الصادرة عنده مردودة عليه وليست بثابتة في ديوان أعماله الصالحة حتى تحبط ، كمن صلى في دار مغصوبة أنت تعلم أن العبادة الصحيحة في الشريعة لا يصح أن يقال فيها : إنها ليست ثابتة في ديوان الأعمال ، بل أظن أنه خلاف الإجماع ، هذا وظاهر التشبيه أنه يذهب بالشيء الموجود لا المعدوم ولا المفقود ، وقد ورد عن معاوية بن حيدة مرفوعا على ما رواه الديلمي في الفردوس : " الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل " . فهذا الحديث صرح في المعنى الذي قلنا من أنه يفسد ويبطل كمال الإيمان وسائر الحسنات ، لا أنه يذهبها بالمرة ويفنيها ، فتأويل الحديث يتم بتقدير المضاف ، وكذا يوافقه التشبيه من حيث إن النار تأخذ نور الحطب وتخلي أصله الذي هو الرماد ، فلا يعارض الحديث حينئذ قوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقد سنح بالبال والله أعلم بالحال ، أنه يحتمل أن يكون معنى الحديث أن الحسد يأكل حسنات المحسود إلى صاحب الحسد ، بمعنى أنها لا تؤثر فيه ولا تغيره ولا يوجد لها قدر عنده ، كما تأكل [ ص: 3156 ] النار الحطب ، ففيه تنبيه نبيه على أن الإحسان إلى الحاسد غير نافع ، وأن التقرب بالتردد إليه ضائع ، وأن الحاسد أقوى من كل عداوة لقوله تعالى : ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وأنشد :
كل العداوة قد يرجى إزالتها إلا عداوة من عداك من حسد
( رواه أبو داود ) . أي من طريق إبراهيم بن أسيد عن جده عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وجد إبراهيم لم يسم ، وذكر البخاري إبراهيم هذا في التاريخ الكبير ، وذكر له هذا الحديث وقال : لا يصح . كذا ذكره الشيخ الجزري ، وقال ميرك : لكن له شاهد من حديث أنس مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10365825الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " . رواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه والبيهقي .