صفحة جزء
5039 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والحسد ; فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " . رواه أبو داود .

5040 - وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم وسوء ذات البين ; فإنها الحالقة " . رواه الترمذي .


5039 - ( وعن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم والحسد ) أي : في مال أو جاه دنيوي ، فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي ( فإن الحسد ) أي : باعتبار ما ينتج في حق المحسود من ارتكاب السيئات ( يأكل الحسنات ) : أي يفني ويذهب طاعات الحاسد ( كما تأكل النار الحطب ) . لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه ، فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود ، فيزيد المحسود نعمة على نعمة ، والحاسد حسرة على حسرة ، فهو كما قال تعالى : خسر الدنيا والآخرة . قال القاضي : تمسك به من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي كالمعتزلة ، وأجيب عنه : بأن المعنى أن الحسد يذهب حسنات الحاسد ويتلفه عليه ، بأن يحمله على أن يفعل بالمحسود من إتلاف مال وهتك عرض وقصد نفس ما يقتضي صرف تلك الحسنات بأسرها في عرضه ، كما روي في صحاح باب الظلم ، عن أبي هريرة ، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة ، وصيام وقيام ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " . لإحباط الطاعات بالمعاصي ، وإلا لم يكن يبقى لهذا الآتي المتعاطي لتلك الكبائر حسنة يقضي بها حق خصمه اهـ . كلامه .

وهذا أحد الوجهين مما ذكره التوربشتي ، والوجه الآخر له أن يقال : إن التضعيف في الحسنات يوجد على حسب استعداد العبد وصلاحه في دينه ، فمهما كان مرتكبا للخطايا نقص من ثواب عمله فيما يتعلق بالتضعيف ما يوازي انحطاطه في المرتبة بما اجترحه من الخطايا ، مثل أن يقدر أن ذا رهق عمل حسنة ، فأثيب عليها عشرا ، ولو لم يكن رهقه لأثيب أضعاف ذلك ، فهذا الذي نقص من التضعيف بسبب ما ارتكبه من الذنب هو المراد من الإحباط . وقال الطيبي ما خلاصته : إن الحسنات لا تقبل بواسطة الحسد ، لأنها تحبط به ، قلت : المعنيان متقاربان مع أن الأحاديث الواردة في نفي القبول محمولة على نفي الكمال ، وكذا قوله تعالى : إنما يتقبل الله من المتقين عند أهل السنة فقوله : إن تلك الحسنات الصادرة عنده مردودة عليه وليست بثابتة في ديوان أعماله الصالحة حتى تحبط ، كمن صلى في دار مغصوبة أنت تعلم أن العبادة الصحيحة في الشريعة لا يصح أن يقال فيها : إنها ليست ثابتة في ديوان الأعمال ، بل أظن أنه خلاف الإجماع ، هذا وظاهر التشبيه أنه يذهب بالشيء الموجود لا المعدوم ولا المفقود ، وقد ورد عن معاوية بن حيدة مرفوعا على ما رواه الديلمي في الفردوس : " الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل " . فهذا الحديث صرح في المعنى الذي قلنا من أنه يفسد ويبطل كمال الإيمان وسائر الحسنات ، لا أنه يذهبها بالمرة ويفنيها ، فتأويل الحديث يتم بتقدير المضاف ، وكذا يوافقه التشبيه من حيث إن النار تأخذ نور الحطب وتخلي أصله الذي هو الرماد ، فلا يعارض الحديث حينئذ قوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقد سنح بالبال والله أعلم بالحال ، أنه يحتمل أن يكون معنى الحديث أن الحسد يأكل حسنات المحسود إلى صاحب الحسد ، بمعنى أنها لا تؤثر فيه ولا تغيره ولا يوجد لها قدر عنده ، كما تأكل [ ص: 3156 ] النار الحطب ، ففيه تنبيه نبيه على أن الإحسان إلى الحاسد غير نافع ، وأن التقرب بالتردد إليه ضائع ، وأن الحاسد أقوى من كل عداوة لقوله تعالى : ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وأنشد :


كل العداوة قد يرجى إزالتها إلا عداوة من عداك من حسد

( رواه أبو داود ) . أي من طريق إبراهيم بن أسيد عن جده عن أبي هريرة وجد إبراهيم لم يسم ، وذكر البخاري إبراهيم هذا في التاريخ الكبير ، وذكر له هذا الحديث وقال : لا يصح . كذا ذكره الشيخ الجزري ، وقال ميرك : لكن له شاهد من حديث أنس مرفوعا : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " . رواه ابن ماجه والبيهقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية