صفحة جزء
5065 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر ! لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق " .


5065 - ( وعن أبي ذر قال : قال لي ) أي : مخاطبا ( رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ! لا عقل كالتدبير ) قال الطيبي : أراد بالتدبير العقل المطبوع لما سبق من أن العقل المسموع لا يعتد به ولا يحتسب لصاحبه إلا بالعقل المطبوع . قلت : وقد تقدم أن العقل المطبوع لا نفع له بدون العقل المسموع ، بل ربما ينفع المسموع بدون [ ص: 3169 ] المطبوع كمن آمن بمجرد التقليد ، فالمعنى لا عقل كعقل التدبير أي كالعقل الذي يصحبه التدبير ، وهو الذي ينظر في دبر الأمر وعاقبته ويميز ما يحمد ويذم في الآخرة ولا شك أن مداره على العقل المسموع ( ولا ورع كالكف ) أي ولا تورع عن المحرمات والشبهات مثل الكف عن المعاملات وترك المباحات لا الضروريات ( ولا حسب ) أي : لا مكرمة وشرف ( كحسن الخلق ) أي كمداراة الخلق مع مراعاة الحق ، هذا وفي النهاية الورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج فيه ، ثم استعير للكف عن المباح والحلال " قلت : فالمراد بالورع في الحديث معناه الأصلي ، وبالكف معناه العرفي على ما قررناه ، ولما غفل الطيبي عما حررناه ، قال بعد كلام صاحب النهاية ، فإن قلت : فعلى هذا الورع وهو الكف ، فكيف قيل ولا ورع كالكف ؟ قلت : الكف إذا أطلق فهم منه كف الأذى ، أو كف اللسان ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " كف هذا " وأخذ بلسانه ، كأنه قيل : ولا ورع كالصمت أو الكف عن أذى المسلمين ولا حسب كحسن الخلق أي : لا مكارم مكتسبة كحسن الخلق مع الخلق ، فالأول عام ، والثاني خاص . قلت : الصواب أن الأول خاص ، والثاني عام لأن حسن الخلق شامل لجميع أنواع المستحسنات ، ولذا ورد : الخلق الحسن أحسن الحسن ، وقال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم فكل الصيد في جوف الفرا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية