صفحة جزء
98 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمر وجهه ، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان ، فقال : ( أبهذا أمرتم ؟ أم بهذا أرسلت إليكم ؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمت عليكم ، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه ) . رواه الترمذي


98 - ( وعن أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتنازع ) أي : حال كوننا نتباحث ( في القدر ) أي : في شأنه فيقول بعضنا : إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب كما قالت المعتزلة ، والآخر يقول : فما الحكمة في تقدير بعض للجنة ، وبعض للنار ؟ فيقول الآخر : لأن لهم فيه نوع اختيار كسبي . فيقول الآخر : فمن أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه ، وما أشبه ذلك . ( فغضب حتى احمر وجهه ) أي : نهاية الاحمرار ( حتى ) أي : حتى صار من شدة حمرته ، ( كأنما فقئ ) : بصيغة المفعول ؛ أي : شق ، أو عصر ( في وجنتيه ) أي : خديه ( حب الرمان ) : فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه ، وإنما غضب ؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى ، وطلب سر الله منهي ؛ ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدريا ، أو جبريا ، والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره ، ( فقال ) : - عليه الصلاة والسلام - ( أبهذا ) أي : أبالتنازع في القدر ( أمرتم ؟ ) : وهمزة الاستفهام للإنكار ، وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام ( أم بهذا أرسلت إليكم ؟ ) : أم منقطعة ؛ بمعنى بل ، والهمزة وهي للإنكار أيضا ترقيا من الأهون إلى الأغلظ ، وإنكار غب إنكار ( إنما هلك من كان قبلكم ) أي : من الأمم ؛ جملة مستأنفة جوابا عما اتجه لهم أن يقولوا : لم تنكر هذا الإنكار البليغ ؟ ( حين تنازعوا في هذا الأمر ) : وهذا يدل على أن غضب الله ، وإهلاكهم كان من غير إمهال ، ففيه زيادة وعيد ، ( عزمت ) أي : أقسمت أو أوجبت ( عليكم ) قيل : أصله عزمت بإلقاء اليمين ، وإلزامها عليكم ( عزمت عليكم أن لا تنازعوا ) : بحذف إحدى التاءين ( فيه ) : ولا تبحثوا في القدر بعد هذا . قال ابن الملك : أن هذه يمتنع كونها مصدرية وزائدة ؛ لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة ، وأن تزداد مع لا فهي إذا مفسرة كأقسمت أن لا ضربت ، وتنازعوا جزم بلا الناهية ، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ؛ لأنها مع اسمها ، وخبرها سدت مسد الجملة كذا قاله زين العرب . ( رواه الترمذي ) أي : هذا اللفظ عن أبي هريرة ، وقال : لا نعرف الحديث إلا من رواية صالح المري ، وله غرائب ينفرد بها اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية