صفحة جزء
[ ص: 928 ] 1229 - وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة ، فكن " . رواه الترمذي ، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب إسنادا .


1229 - ( وعن عمرو بن عبسة ) : بالحركات ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون الرب " ) ، أي : رضاه ( " من العبد في جوف الليل " ) : خبر أقرب ، أي : أقربيته تعالى من عباده كائنة في الليل ; لأنه محل التجلي المعبر عنه بالنزول ، قال الطيبي : إما حال من الرب ، أي : قائلا في جوف الليل : ( من يدعوني فأستجيب له ) : الحديث . سدت مسد الخبر ، أو من العبد ، أي : قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا ، ويحتمل أن يكون خبر الأقرب ، ومعناه سبق في باب السجدة مستقصى .

فإن قلت : المذكور هاهنا أقرب ما يكون الرب من العبد وهناك أقرب ما يكون العبد من ربه ؟ أجيب : بأنه قد علم مما سبق في حديث أبي هريرة من قوله : ينزل ربنا إلخ . أن رحمته سابقة ، فقرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم ، فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم ، كما قال : ( واسجد واقترب ) وفيه أن لطف الله وتوفيقه سابق على عمل العبد وسبب له ، ولولاه ، لم يصدر من العبد خير قط . اهـ .

وقال ميرك : فإن قلت : ما الفرق بين هذا القول ، وقوله فيما تقدم في باب السجود : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؟ قلت : المراد هاهنا بيان وقت كون الرب أقرب من العبد ، وهو جوف الليل ، والمراد هنا بيان أقربية أحوال العبد من الرب وهو حال السجود . تأمل . اهـ . يعني فإنه دقيق وبالتأمل حقيق ، وتوضيحه أن هذا وقت تجل خاص بوقت لا يتوقف على فعل من العبد لوجوده لا عن سبب ، ثم كل من أدركه أدرك ثمرته ، ومن لا فلا . غايته أنه مع العبادة أتم منفعة ونتيجة ، وأما القرب الناشئ من السجود فمتوقف على فعل العبد وخاص به ، فناسب كل محل ما ذكر فيه . ( " الآخر " ) : صفة لجوف الليل على أنه ينصف الليل ، ويجعل لكل نصف جوفا ، والقرب يحصل في جوف النصف الثاني ، فابتداؤه يكون من الثلث الأخير وهو وقت القيام للتهجد ، قاله الطيبي . ولا يبعد أن يكون ابتداؤه من أول النصف الأخير . ( " فإن استطعت " ) ، أي : قدرت ووفقت ( " أن تكون ممن يذكر الله " ) : في ضمن صلاة أو غيرها ( " في تلك الساعة " ) : إشارة إلى لطفها ( " فكن " ) ، أي : اجتهد أن تكون من جملتهم ، فلعلك تتقرب إلى الله ببركتهم ، قال ابن حجر ، أي ممن نظم في سلك الذاكرين لتقدمهم ، ويفاض عليك من مددهم ، فهو أبلغ من أن يذكر . نظير قولهم : إنه لمن الصالحين أبلغ من إنه لصالح . ( رواه الترمذي ، قال : هذا حديث حسن صحيح غريب إسناده ) : تمييز عن الغريب ، أي : غريب إسناده لا متنه ، ويعرف الفرق بينهما في علم الأصول ، ولا تنافي بين الغرابة والصحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية