صفحة جزء
1246 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا [ وقاربوا ] ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " . رواه البخاري


1246 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدين " ) : وهو ما وضعه الله على عباده من الأحكام ( " يسر " ) ، أي : مبني على اليسر ، وقيل : ( يسر ) مصدر وضع موضع المفعول مبالغة ذكره الطيبي ، وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقال عز وجل : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " . وأما حديث : عليكم بدين العجائز ، فلا أصل له على ما ذكره السخاوي ، ( " ولن يشاد الدين أحد " ) ، أي : ولن يقاومه أحد بشدة ، والمعنى أن من شدد على نفسه وتعمق في أمر الدين بما لم يجب عليه ، فلربما يغلبه ما تحمله من الكلفة ، فيضعف عن القيام بحق ما كلف به ، وهو معنى قوله : ( " إلا غلبه " ) ، أي : إلا غلب الدين عليه . والمشادة : التشدد على وجه المبالغة .

قال ابن حجر : ووضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تعظيمه والإنكار على من يشاده ، أي : لن يبالغ في تشديد الدين الميسور أحد يستقر على وصف من الأوصاف إلا على وصف كونه قد غلبه ذلك الدين حيث كثره مع يسره ، وقصد أن يغلب عليه بالزيادة فيه على ما شرع له تهورا ، ورهبانية ابتدعها ما كتبت عليه مع أن مآل أمره إلى أن يفتر ويعجز عنها ويعود ملوما مقصرا ، ومن ثم كان أشد إنكاره عليه الصلاة والسلام على قوم أرادوا التشديد على أنفسهم كما مر .

وكان عبد الله بن عمرو لما كبر وضعف عما كان أوصاه به - عليه السلام - من أعمال ذكر له عليه الصلاة والسلام معتدلها ، فأبى إلا مشقها : يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( " فسددوا " ) ، أي : الزموا طريق الاقتصار ، [ ص: 935 ] واطلبوا سبيل السداد من المنهج القويم والصراط المستقيم ، ( " وقاربوا " ) ، أي : الأمر بالسهولة ولا تباعدوه بالكلفة والصعوبة ، قال الطيبي : الفاء جواب شرط محذوف ، يعني : إذا بينت لكم ما في المشادة من الوهن فسددوا ، أي : اطلبوا السداد وهو القصد المستقيم الذي لا ميل فيه ، ( وقاربوا ) تأكيد للتسديد من حيث المعنى ، يقال : قارب فلان في أموره : إذا اقتصد ( " وأبشروا " ) ، أي : بالجنة والسلامة وبكل نعمة وكرامة ، فإن الله يعطي الجزيل على عمل القليل ، قال الكرماني : بقطع الهمزة ، وجاء في لغة : ابشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار . ( " واستعينوا " ) : على أمر العبادات من بين الأوقات ( " بالغدوة والروحة " ) : بالفتح وسكون الثانية فيهما ، وبضم الكلمة الأولى ، أي : بالسير في السلوك أول النهار وآخره ، وهما زمان الراحات والغفلات ، ( " وشيء " ) : وبشيء ولو قليل ( " من الدلجة " ) : بضم الدال وتفتح مع سكون اللام : آخر الليل ، وهو أفضل الساعات وأكمل الحالات ، قال الطيبي : الغدوة بالضم : ما بين صلاة الغدوة إلى طلوع الشمس ، وبالفتح المرة من الغدو ، وهو سير أول النهار نقيض الرواح ، والدلجة بالضم والفتح اسم من ادلج بالتشديد : إذا سار من آخر الليل استعيرت هذه الأوقات للصلاة فيها . اهـ .

وقيل : الدلجة من الإدلاج بسكونه ، وهو سير أول الليل ، فالمراد به إحياء ما بين العشاءين ، وهو صلاة الأوابين ، أو المعنى : استعينوا بالطاعة على تحصيل الجنة ، والمثوبة في الأوقات الثلاثة ، والاستراحة في غيرها حتى لا تكسلوا ولا تتعبوا ولا تملوا ولا تخلوا ، وقيل : استعينوا على قضاء حوائجكم ، واستنجاح مقاصدكم بالصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل . ( رواه البخاري ) : قال ميرك : ورواه النسائي ، وقال ابن حجر في حديث مرسل : إن هذا الدين متين فأوغل برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله ، فإن المنبت ، أي : المكلف دابته طاقتها لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى . اهـ . وفي النهاية : المنبت الذي انقطع به في سفره وعطبت راحلته ، والفعل انبت مطاوع بت من البت : القطع .

التالي السابق


الخدمات العلمية