صفحة جزء
100 - وعن أبي موسى رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم الأحمر والأبيض ، والأسود وبين ذلك ، والسهل ، والحزن ، والخبيث ، والطيب ) رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .


100 - ( وعن أبي موسى ) قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة : بالضم ويفتح ، ومن : ابتدائية متعلقة بخلق ، أو بيانية حال من آدم ( قبضها ) أي : أمر الملك بقبضها ، والقبضة بالضم ملء الكف ، وربما جاء بفتح القاف كذا في الصحاح ، وفي القاموس القبضة : وضمه أكثر ما قبضت عليه من شيء ، وفي النهاية القبض الأخذ بجميع الكف ، والقبضة المرة منه ، وبالضم الاسم منه ( من جميع الأرض ) : يعني : وجهها أي : من جميع ما قدر الله أن يسكنه بنو آدم من الأرض ، وليس مراده من جميع الأرض لأن من الأرض ما لا يصل إليه قدم آدمي ، والقابض من جميع الأرض هو عزرائيل - عليه الصلاة والسلام - ، فنسب الفعل إليه تعالى ؛ لأنه بأمره ، وإرادته ، ولما كان عزرائيل متولي القبضة ، ولي قبض الأرواح من أجسادها ليردوا وديعة الله التي قبضها من الأرض إليها كذا قاله زين العرب ، وفيه إشارة إلى آية ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) هذا ، وذكر السيوطي - رحمه الله - في الدر المنثور عن أبي هريرة قال : خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة . قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض ؟ قال : كانت خشفة على الماء ، وهي بالخاء ، والشين المعجمتين ، والفاء أي : حجرة ، أو أكمة ، أو جزيرة عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض ، فلما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض ، فلما هوى ليأخذ قالت الأرض : أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا فتركها ، فلما رجع إلى ربه قال : ما منعك أن تأتي بما أمرتك ؟ قال : سألتني بك فعظمت أن أرد شيئا سألني بك ، فأرسل آخر فقال مثل ذلك ، حتى أرسلهم كلهم ، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك . قال : إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك ، فأخذ من وجه الأرض كلها من طيبها ، وخبيثها حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة ، فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة فجاء حمأ مسنونا فخلق منه آدم بيده . الحديث . ( فجاء بنو آدم على قدر الأرض ) أي : مبلغها من الألوان والطباع ( منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ) : بحسب ترابهم ، وهذه الثلاثة هي أصول الألوان ، وما عداها مركب منها ، وهو المراد بقوله : ( وبين ذلك ) أي : بين الأحمر ، والأبيض ، والأسود باعتبار أجزاء أرضه ( والسهل ) أي : ومنهم السهل أي : اللين ( والحزن ) : بفتح الحاء ، وسكون الزاي أي : الغليظ ( والخبيث ) أي : خبيث الخصال ( والطيب ) : على طبع أرضهم ، وكل ذلك بتقدير الله تعالى لونا ، وطبعا ، وخلقا . قال الطيبي : ولما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها ، وأولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة ، فإن المعني بالسهل الرفق واللين ، وبالحزن الخرق والعنف ، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله ، بالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله ، والذي سبق له الحديث هو الأمور الباطنة ؛ لأنها داخلة في حديث القدر بالخير والشر ، وأما الأمور الظاهرة من الألوان ، وإن كانت مقدرة فلا اعتبار لها فيه اهـ .

[ ص: 177 ] ويمكن أن يكون لها اعتبار إشارة إلى أن هذه الأوصاف والآثار بمنزلة هذه الألوان في كونها تحت الأقدار غايته أن الأوصاف قابلة للزيادة ، والنقصان بحسب الطاعة والإمكان لمجاهدة الإنسان بخلاف الألوان ، وإن نظرت إلى الحقيقة فلا تبديل ، ولا تغيير لخلق الله ، وهذا معنى قوله : جف القلم على علم الله . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ) : وكذا الحاكم ، والبيهقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية