صفحة جزء
1288 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد ; قنت بعد الركوع ، فربما قال إذا قال : " سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها سنين كسني يوسف " ، يجهر بذلك . وكان يقول في بعض صلاته : " اللهم العن فلانا وفلانا " ، لأحياء من العرب ، حتى أنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء ) الآية . متفق عليه .


[ 36 ] باب القنوت

قال ابن الملك : هو في الأصل الطاعة ، ثم سمي طول القيام في الصلاة قنوتا وهو المراد هنا اهـ . والظاهر أن المراد بالقنوت هنا الدعاء ، وهو أحد معاني القنوت كما في النهاية وغيره ، وكذا نقل الأبهري عن زين العرب .

الفصل الأول

1288 - ( عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ) ، أي : لضرره ( أو يدعو لأحد ) ، أي : لنفعه ( قنت ) : وهو يحتمل التخصيص بالصبح أو تعميم الصلوات وهو الأظهر ، قال ابن حجر : أخذ منه الشافعي أنه يسن القنوت في أخيرة سائر المكتوبات للنازلة التي تنزل بالمسلمين عامة ، كوباء وقحط وطاعون ، وخاصة ببعضهم كأسر العالم أو الشجاع ممن تعدى نفعه ، وقول الطحاوي لم يقل به فيها غير الشافعي غلط منه ، بل قنت علي رضي الله عنه في المغرب بصفين اهـ . ونسبة هذا القول إلى الطحاوي على هذا المنوال غلط ; إذ أطبق علماؤنا على جواز القنوت عند النازلة . ( بعد الركوع ) : قال البيهقي : صح أنه - عليه الصلاة والسلام - قنت قبل الركوع ، لكن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ ، فهو أولى ، وعليه درج الفقهاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم وأكثرها ، قال ابن حجر : وقول الباقلاني : يمتنع على المجتهد عند تعارض الأدلة الترجيح بظني ككثرة الرواة أو الأدلة ، أو كثرة أوصافهم بخلاف القطعي كتقديم النص على القياس اختيار له ، قلت : بل هو المختار عند الخيار ، كما صرح به ابن الهمام ، وسماه المذهب المنصور . ( فربما قال ) ، أي النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا قال ) : وأبعد ابن حجر حيث قال ، أي قال أبو هريرة في روايته : إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد . اللهم أنج ) : أمر من الإنجاء ، أي خلص ( الوليد بن الوليد ) : هو أخو خالد ، أسر يوم بدر كافرا ، فلما فدي أسلم فقيل له : هلا أسلمت قبل أن تفتدي ؟ فقال : كرهت أن يظن بي أني إنما أسلمت جزعا ، فحبس بمكة ثم أفلت من أسرهم بدعائه - عليه الصلاة والسلام - ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم . ( وسلمة بن هشام ) : بفتح اللام ، وهو أخو أبي جهل ، أسلم قديما ، وعذب في الله ، ومنع من الهجرة إلى المدينة . ( وعياش ) : بفتح العين المهملة وتشديد التحتية ( ابن أبي ربيعة ) : وهو أخو أبي جهل لأمه ، أسلم قديما فأوثقه أبو جهل بمكة ، وهؤلاء الثلاثة جدهم المغيرة ، وهم أسباط كل واحد ابن عم الآخر ، دعا لهم صلى الله عليه وسلم بالنجاة من أسر كفار مكة وقهرهم . ( اللهم اشدد وطأتك ) : بفتح الواو وسكون الطاء ، أي : شدتك وعقوبتك ( على مضر ) ، أي كفارهم ، قال الطيبي : الوطء في الأصل الدوس بالقدم ، فسمي به الغزو والقتل ; لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإماتته ، والمعنى خذهم أخذا شديدا ( واجعلها ) ، أي وطأتك ( سنين ) : جمع سنة وهو القحط ، أي : اجعل عذابك عليهم بأن تسلط عليهم قحطا عظيما سبع سنين أو أكثر ، ( كسني يوسف ) ، أي كسني أيام يوسف - عليه الصلاة والسلام - من القحط العام في سبعة أعوام ، قال الطيبي : الضمير في واجعلها إما للوطأة وإما للأيام التي يستمرون فيها على كفرهم ، وإن لم يجر لها ذكر لما يدل عليه المفعول الثاني ، وهو ( سنين ) جمع سنة بمعنى القحط ، وهي من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا ، وسني يوسف هي السبع الشداد التي أصابهم فيها القحط . ( يجهر بذلك ) ، أي بالدعاء المذكور ، قال الخطابي : فيه دليل على جواز القنوت في غير الوتر .

قلت : لكن يقيد بما إذا نزلت نازلة وحينئذ لا خلاف فيه ، قال : وعلى أن الدعاء لقوم بأسمائهم لا يقطع الصلاة ، وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها ، قال الإمام النووي : القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما ، وأما في غيرها ففيه ثلاثة أقوال ، والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو أو قحط أو وباء أو عطش أو ضرر [ ص: 959 ] ظاهر في المسلمين ، ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة ، وإلا فلا . ذكره الطيبي ، وفيه أن مسنونيته في الصبح غير مستفادة من هذا الحديث .

( وكان يقول بعض صلاته ) : وهو يحتمل أن يكون في الصبح أو في الوتر أو في غيرها بعد الركوع وقبله ولو قبل السلام : ( اللهم العن فلانا وفلانا " ، لأحياء ) ، أي : لقبائل جمع حي بمعنى القبيلة ( من العرب ) ، أي : أبعدهم واطردهم عن رحمتك ، وهذا يستلزم الدعاء بالإماتة على الكفر ، وفي شرح ابن حجر فإن قلت : قوله فلانا يقتضي أنه ذكرهم بأعلامهم ، وقوله : لأحياء من العرب يقتضي أنه ذكرهم بذكر قبائلهم ، ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الآتية : على أحياء من بني سليم على رعل إلخ . قلت : لا مانع من أنه ذكر أعلاما خاصة في قبائلهم العامة ، أو أنه أراد ب ( فلانا وفلانا ) القبائل نفسها بدليل قوله : لأحياء المتعلق بمحذوف ، أي : قال ذلك لأحياء ، أي : عنهم اهـ .

والصواب أنه متعلق ب ( يقول ) ، سواء أريد بهم الخاص أو العام ، ( حتى أنزل الله تعالى ) : كما في نسخة ، وقول ابن حجر : ثم استمر ذلك منه حتى أنزل الله مستغنى عنه لصحة تعلق حتى بقوله ، وكان يقول الدال على الاستمرار ( ليس لك من الأمر شيء ) ، أي : شيء من أمر هداية الخلق بمعنى توفيقهم ، ومن إهلاك الأعداء وإماتتهم على الكفر إنما أمرهم إلى الله وحده ، فإما أن يتوب عليهم بتوفيقهم للإسلام ، أو يعذبهم بإماتتهم على الكفر وتسليطك عليهم . ( الآية ) : بتثليثها وتمامها ، ( أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) أو بمعنى إلى أن ، أي اصبر على ما يصيبك إلى أن يتوب عليهم أو يعذبهم ، وليكن رضاك موافقا لأمر الله وتقديره ، ولا تقل ولا تفعل شيئا باختيارك ، كذا في المفاتيح . ( متفق عليه ) : ورواه الأربعة ، واللفظ للبخاري ، قاله ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية