صفحة جزء
101 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله خلق خلقه في ظلمة ، فألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى . ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول : جف القلم على علم الله " رواه أحمد ، والترمذي .


101 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) : بالواو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله خلق خلقه ) أي : الثقلين من الجن والإنس لا الملائكة ( في ظلمة ) أي : كائنين في ظلمة النفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية ، والأهواء المضلة ، والركون إلى المحسوسات ، والغفلة عن عالم الغيب ( فألقى ) أي : رش ( عليهم ) : شيئا ( من نوره ) : فمن نوره صفة محذوف أي : شيئا منه ، ومن للتبيين ، أو للتبعيض ، أو زائدة ، المراد منه نور الإيمان والمعرفة ، والإيقان ، والطاعة ، والإحسان ( فمن أصابه من ذلك النور ) أي : نوره المعنوي الواصل إليه ، والنور مجرور ، ويجوز أن يرفع على أنه فاعل أصابه ، ومن ذلك حال منه ؛ ذكره العيني ، ( اهتدى ) أي : إلى طريق الجنة ، ( ومن أخطأه ) أي : ذلك النور يعني جاوزه ، ولم يصل إليه ( ضل ) أي : خرج عن طريق الحق ، وقيل : المراد بالنور الملقى إليهم ما انصب من الشواهد والحجج ، وما أنزل إليهم من الآيات والنذر ؛ إذ لولا ذلك لبقوا في ظلمات الضلالة في بيداء الجهالة ، وقيل : المراد بالظلمة كالحرص ، والحسد ، والكبر ، وغيرها من الأخلاق الذميمة ، وبالنور التوفيق ، والهداية ؛ بقلع ذلك ، فمن وفقه لذلك اهتدى ، ومن لم يوفقه ضل وغوى ، وقيل : المراد بالظلمة الجهالة ، وبالنور المعرفة ؛ يعني خلق الله الخلق جاهلين به ، وبصفاته فعرفهم ذاته وصفاته ليعرفوه ، وقيل المراد : أنه خلق أرواحهم في ظلمة ، وحيرة ؛ فألقى عليهم نور الرحمة والهداية ، ولولا ذلك لم يهتد إليه أحد :


لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ، ولا صلينا



قيل : ويمكن أن يحمل الحديث على خلق الذر المستخرج في الأزل من صلب آدم فعبر بالنور عن الألطاف الإلهية التي هي تباشير صبح الهداية ، وإشراق لمعات برق العناية ، ثم أشار بقوله : ( أصاب ، وأخطأ ) إلى ظهور تلك العناية فيما لا يزال من هداية بعض ، وضلال بعض ، ( فلذلك ) أي : ومن أجل أن الاهتداء والضلال قد جرى ؛ ( أقول : جف القلم على علم الله ) أي : على ما علم الله ، وحكم به في الأزل لا يتغير ، ولا يتبدل ، وجفاف القلم عبارة عنه ، وقيل من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل ؛ تقديره من الإيمان والطاعة والكفر ، والمعصية : أقول جف القلم ، قيل : وجه التوفيق بين هذا المعنى ، وبين قوله : ما من مولود ؛ أن يقال : الإنسان مركب من الروحانية التي تقتضي العروج إلى عالم القدس ، وهي مستعدة لقبول فيضان نور الله تعالى ، والتحلي بالكمالات ، ومن النفسانية المائلة إلى ظلمات الشهوات ، والضلال ، فهذا الحديث مسوق في القدر ؛ بدليل قوله : جف القلم فنبه فيه على أن الإنسان [ ص: 178 ] خلق على حالة لا تنفك عن ظلمة ؛ إلا من أصابه من النور الملقى عليهم ، وفي هذا الحديث لمح إلى القضاء ؛ كقوله : ما من مولود ؛ فأجرى الكلام على ما مر بيانه . رواه أحمد ، والترمذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية