صفحة جزء
1291 - وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا ثم تركه . رواه أبو داود ، والنسائي .


1291 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا ) ، أي : بعد الركوع كما سبق . ( ثم تركه ) ، أي : القنوت في الفرض مطلقا ، أو تركه بعد الركوع . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) : قال ميرك : وفي مسلم أتم من هذا ، وليس فيه ثم تركه . وفي شرح السنة : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن لا يقنت في الصلوات لهذا الحديث ، والذي بعده . وذهب بعضهم إلى أنه يقنت في الصبح ، وبه قال مالك والشافعي ، حتى قال الشافعي : إن نزلت نازلة بالمسلمين قنت في جميع الصلوات ، وتأول قوله تركه ، أي : ترك اللعن والدعاء على القبائل ، أو تركه في الصلوات الأربع ، ولم يتركه في [ ص: 961 ] الصبح بدليل ما روي عن أنس قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا : قال ابن الهمام : الخلافية الثانية له ، أي : للشافعي فيها حديث أبي جعفر الرازي ، عن أنس : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا ، رواه الدارقطني وغيره . وفي البخاري ، عن أبي هريرة قال : لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول : سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار .

وحديث ابن أبي فديك ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيدعو بهذا الدعاء : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت " . وفي هذا مع ما قدمناه من حديث الحسن ما يصرح بأن قولهم يعني الشافعية : اللهم اهدنا وعافنا بالجمع خلاف المنقول ، لكنهم لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت ، ولا يخفى أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقول ذلك ، وهو إمام ; لأنه لم يكن يصلي الصبح منفردا ليحفظ الراوي منه في تلك الحالة ، مع أن لفظ المذكور في الحديث يفيد المواظبة على ذلك .

وقال الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ أنه روي يعني القنوت في الفجر عن الخلفاء الأربعة وغيرهم مثل : عمار بن ياسر ، وأبي بن كعب ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، والبراء بن عازب ، وأنس ، وسهل بن سعد الساعدي ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعائشة ، وقال : ذهب إليه أكثر الصحابة والتابعين ، وذكر جماعة من التابعين ، والجواب أولا أن حديث ابن أبي فديك الذي هو النص في مطلوبهم ضعيف ، فإنه لا يحتج بعبد الله هذا ، ثم نقول في دفع ما قبله : إنه منسوخ كما صرح به المصنف يعني صاحب الهداية تمسكا بما رواه البزار ، وابن أبي شيبة ، والطبراني ، والطحاوي ، كلهم من حديث شريك القاضي عن أبي حمزة القصاب ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، أي ابن مسعود ، قال : لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح إلا شهرا ، ثم تركه لم يقنت قبله ولا بعده . وحاصل تضعيفهم ، أي الشافعية إياه ، أي القصاب أنه كان كثير الوهم ، قلنا : بمثل هذا ضعف جماعة أبا جعفر فكافأه القصاب ، ثم يقوي ظن ثبوت ما رواه القصاب ، أن شبابة روى عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن سليمان ، قال : قلنا لأنس بن مالك : إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر ، فقال : كذبوا إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا واحدا يدعو على أحياء من المشركين ، فهذا عن أنس صريح في مناقضة رواية أبي جعفر عنه ، وفي أنه منسوخ ويزداد اعتضاده ، بل يستقل بإثبات ما نسيناه لأنس ما رواه الخطيب في كتاب القنوت من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم ، وهذا سند صحيح ، قاله صاحب تنقيح التحقيق .

وأنص من ذلك في النفي العام ما أخرجه أبو حنيفة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهرا واحدا لم ير قبل ذلك ولا بعده ، وإنما قنت في ذلك الشهر يدعو على ناس من المشركين ، فهذا لا غبار عليه ، ولهذا لم يكن أنس نفسه يقنت في الصبح ، كما رواه الطبراني عن غالب بن فرقد الطحان ، قال : كنت عند أنس بن مالك شهرين ، فلم يقنت في صلاة الغدوة ، وإذا ثبت النسخ وجب حمل الذي عن أنس من رواية أبي جعفر إما على الغلط أو على طول القيام ، فإنه يقال عليه أيضا في الصحيح عنه - عليه الصلاة والسلام : " أفضل الصلاة طول القنوت " ، أي : القيام ، ولا شك أن صلاة الصبح أطول الصلوات قياما ، والإشكال نشأ من اشتراك لفظ القنوت بين ما ذكر وبين الخضوع والسكوت والدعاء وغيره ، أو يحمل على قنوت النوازل كما اختاره بعض أهل الحديث من أنه لم يزل يقنت في النوازل ، وهو ظاهر ما قدمناه عن أنس : كان لا يقنت إلا إذا دعا إلخ . ويكون قوله : ثم ترك في الحديث الآخر يعني الدعاء على أولئك القوم لا مطلقا .

وأما قنوت أبي هريرة المروي فإنما أراد بيان أن القنوت والدعاء للمؤمنين وعلى الكافرين قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أنه مستمر لاعترافهم بأن القنوت المستمر ليس بسن الدعاء لهؤلاء ولا على هؤلاء في كل صباح ، ومما يدل على أنه أراد هذا وإن كان غير ظاهر لفظ الراوي ، ما أخرجه ابن حبان ، عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم وهو سند صحيح ، فلزم أن مراده ما قلنا أو بقاء قنوت النوازل ; لأن قنوته الذي رواه كان كقنوت النوازل ، وبقية كلام ابن الهمام نذكرها في شرح الحديث الآتي إن شاء الله العزيز .

[ ص: 962 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية