صفحة جزء
[ ص: 993 ] [ 40 ] باب صلاة التسبيح

1328 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب : " يا عباس ! يا عماه ! ألا أعطيك ؟ ألا أمنحك ؟ ألا أخبرك ؟ ألا أفعل بك ؟ عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك ، غفر الله لك ذنبك أوله وآخره ، قديمه وحديثه ، خطأه وعمده ، صغيره وكبيره ، سره وعلانيته : أن تصلي أربع ركعات ، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم ، قلت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، خمس عشرة مرة ، ثم تركع ، فتقولها وأنت راكع عشرا ، ثم ترفع رأسك من الركوع ، فتقولها عشرا ، ثم تهوي ساجدا ، فتقولها وأنت ساجد عشرا ، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ، ثم تسجد فتقولها عشرا ، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا ، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة ، تفعل ذلك في أربع ركعات ، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل ، فإن لم تفعل ، ففي كل جمعة مرة ، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة ، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة ، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة " . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " .


[ 40 ] باب صلاة التسبيح

أي : هذا مبحثها أو بيانها .

1328 - ( عن ابن عباس رضي الله عنهما ) : وفي نسخة بالواو ، وحذف صلاة التسبيح . ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب : ( يا عباس ) : طلبا لمزيد إقباله ( يا عماه ) : إشارة إلى مزيد استحقاقه ، وهو منادى مضاف إلى ياء المتكلم ، فقلبت ياؤه ألفا ، وألحقت بهاء السكت ، كياغلاماه ، ذكره ابن الملك . ( ألا أعطيك ؟ ) : ألا للتنبيه ، أو الهمزة للاستفهام ، وأجاب بغير جواب لظهور الصواب . ( ألا أمنحك ؟ ) ، أي : ألا أعطيك منحة ، والمراد بالمنحة الدلالة على فعل ما تفيده الخصال العشر ، وهو قريب المعنى من الأول ، وفي المغرب المنح أن يعطي الرجل الرجل شاة أو ناقة ليشرب لبنها ، ثم يردها إذا ذهب درها هذا أصله ، ثم كثر استعماله حتى قيل في كل عطاء . ( ألا أخبرك ؟ ) : وفي الحصن : ألا أحبوك ؟ يقال : حباه كذا وبكذا إذا أعطاه ، والحباء العطية ، كذا في النهاية . ( ألا أفعل بك ؟ ) : وفي بعض نسخ المصابيح : باللام ، قال التوربشتي : الرواية الصحيحة بالباء ، وذكر ابن حجر في قوله : ألا أفعل بك أنه قال : غير واحد ، كذا في نسخ المصابيح ، والصواب : ألا أفعل لك ؟ اهـ

وفيما قالوه نظر ، ولا صواب في ذلك ، بل الذي في الأصول المعتمدة هو الباء ، فهو غفلة عن تحقيق ما قالوه بسبب التحريف والتصحيف الذي وقع في أصله من نسخة المشكاة ، كما تشهد عليه المواضع المتقدمة ، وإنما أضاف - عليه الصلاة والسلام - فعل الخصال إلى نفسه ; لأنه الباعث عليها ، والهادي إليها ، وكرر ألفاظا متقاربة المعنى تقريرا للتأكيد ، وتأييدا للتشويق ، وتوطئة للاستماع إليه لتعظيم هذه الصلاة . ( عشر خصال ) : بالنصب على أنه مفعول للأفعال المتقدمة على سبيل التنازع ، وروي بالرفع على تقدير هي ، قال التوربشتي : الخصلة هي الخلة وهي الاختلال العارض للنفس ، إما لشهوتها الشيء ، أو لحاجتها إليه ، فالخصلة كما تقال للمعاني التي تظهر من نفس الإنسان تقال أيضا لما تقع حاجته إليه ، أي : عشرة أنواع ذنوبك ، والخصال العشر منحصرة في قوله : أوله وآخره ، وقد زادها إيضاحا بقوله : عشر خصال بعد حصر هذه الأقسام ، أي : هذه عشر خصال ، فقد سقط من هذا الحديث ، أي : في المصابيح شيء من موضعين ، الأول بعد قوله : أوله وآخره سقط منه ( قديمه وحديثه ) ، والثاني بعد قوله : ( وعلانيته ) سقط منه عشر خصال ، فالحديث على ما هو في المصابيح غير مستقيم ، كذا حققه التوربشتي وغيره ، وقال : فمن نصب عشرا فالمعنى خذها أو دونك عشر خصال ، وقيل : عدها ، قيل : ومعنى الأخيرة ألا أصيرك ذا عشر خصال ، أو ألا آمرك بما يتسبب عنه أنك إذا فعلته تصير ذا عشر خصال يغفر بها ذنبك ، وفهم مما تقدم أن الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وقال ميرك : منصوب على تنازع الأفعال قبلها ، وهو على حذف مضاف ، أي : مكفر عشر خصال يوضحه قوله : ( إذا أنت فعلت ذلك ) ; لأنه إذا كان المضاف مقدرا وجهت الإشارة إليه اهـ .

وقيل : المعنى إذا فعلت ما أعلمك . ( غفر الله لك ذنبك ) : ثم قال ميرك : فالخصال العشر هي الأقسام العشرة من الذنوب ، ومن أجل خلو أكثر نسخ المصابيح من قديمه وحديثه قال بعضهم : المراد بالعشر الخصال التسبيحات والتحميدات والتهليلات والتكبيرات ، فإنها سوى القيام عشر عشر اهـ . ففيه تغليب ( أوله وآخره ) : بالنصب ، قال التوربشتي ، أي : مبدأه ومنتهاه ، وذلك أن من الذنب ما لا يواقعه الإنسان دفعة واحدة ، وإنما يتأتى منه شيئا فشيئا ، ويحتمل أن يكون معناه ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ويؤيده أن في رواية ما تقدم وما تأخر ، وفي رواية للطبراني : غفر الله لك كل ذنب كان أو هو كائن . ( قديمه وحديثه ) ، أي : جديده كما في أصل الأصيل ، قال ابن حجر : إثباتهما أشهر من إسقاطهما في نسخ المصابيح اهـ .

[ ص: 994 ] وهو مخالف لما ذكره الشيخ الأجل التوربشتي شارح المصابيح : والله أعلم . ( خطأه ) : بفتحتين وهمزة ( وعمده ) : قيل : يشكل بأن الخطأ لا إثم فيه ، لقوله - عليه الصلاة والسلام : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . فكيف يجعل من جملة الذنب ؟ وأجيب : بأن المراد بالذنب ما فيه نقص ، وإن لم يكن فيه إثم ، ويؤيده قوله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ويحتمل أن يراد مغفرة ما يترتب على الخطأ من نحو الإتلاف من ثبوت بدلها في الذمة ، ومعنى المغفرة حينئذ إرضاء الخصوم ، وفك النفس عن مقامها الكريم المشار إليه بقوله - عليه السلام : [ " نفس المؤمن مرهونة حتى يقضى عنه دينه " ] . ( صغيره وكبيره ، سره وعلانيته ) : قال ابن الملك : والضمير في هذه كلها عائد إلى قوله : ذنبك ، وسقط من المشكاة هنا لفظ عشر خصال ، وهو موجود في الأصل على ما يشهد به الحصن وغيره .

قال في الأزهار : فإن قلت : أوله وآخره يندرج تحته ما يليه ، وكذا باقيه فما الحاجة إلى تعدد أنواع الذنوب ؟ قلت : ذكره قطعا لوهم أن ذلك الأول والآخر ربما يكون عمدا أو خطأ ، وعلى هذا في أقرانه ، وأيضا في التنصيص على الأقسام حث للمخاطب على المحثوث عليه بأبلغ الوجوه ، ثم كل من الأقسام أعم مما يليه من وجه ; إذ الأول والآخر قد يكون قديما ، وقد يكون حديثا ، والقديم والحديث قد يكون خطأ وقد يكون عمدا ، والخطأ والعمد قد يكون صغيرا وقد يكون كبيرا ، والصغير والكبير قد يكون سرا وقد يكون علنا ، وعلى هذا من الجانب الأسفل ، فإن السر والعلانية قد يكون صغيرا إلى أوله وآخره . ( أن تصلي ) : قال ابن الملك : " أن " مفسرة لأن التعليم في معنى القول ، أو هي خبر مبتدأ محذوف ، والمقدر عائد إلى ذلك ، أي : هو يعني المأمور به أن تصلي ، وقيل : التقدير هي ، وهي راجعة إلى الخصال العشر على ما تقدم .

قال ابن حجر ، أي تصلي بنية صلاة التسبيح ، ولو في الوقت المكروه فيما يظهر ، قلت : هذا مما لم يظهر ، فإن الأحاديث الواردة الصحيحة الصريحة بالنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، مانعة من إرادة الإطلاق المفهوم من هذا الحديث ، قاضية عليه ، والشافعية استثنوا الصلوات التي لها سبب مقدم ، وهذه ليس لها سبب بالإجماع ، فظهر بطلان ما ظهر له ، والله أعلم . ( أربع ركعات ) : ظاهره أنه بتسليم واحد ليلا كان أو نهارا ( تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ) : وسيأتي ما ورد في تعيينها وتعيين أفضل أوقات صلاتها ، وقيل : الأفضل أن يقرأ فيها أربعا من المسبحات : الحديد ، والحشر ، والصف ، والجمعة ، والتغابن للمناسبة بينهن وبينها في الاسم ، ( فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة ) ، أي : قبل الركوع ، والجملة حالية . ( وأنت قائم ، قلت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) : زاد الغزالي : ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ( خمس عشرة مرة ) : بسكون الشين وتكسر .

قال ابن حجر : ما صرح به هذا السياق أن التسبيح بعد القراءة أخذ به أئمتنا ، وأما ما كان يفعله عبد الله بن المبارك من جعله الخمس عشرة قبل القراءة وبعد القراءة عشرا ، ولا يسبح في الاعتدال مخالف لهذا الحديث ، قال بعض أئمتنا : لكن جلالته تقتضي التوقف عن مخالفته ، ووافقه النووي في الأذكار ، فجعل قبل الفاتحة عشرا ، لكنه أسقط في مقابلتها ما يقال في جلسة الاستراحة ، قال بعضهم : وفي رواية عن ابن المبارك أنه كان يقول عشرين في السجدة الثانية ، وهذا ورد في أثر بخلاف ما قبل القراءة . ( ثم تركع ، فتقولها وأنت راكع عشرا ) ، أي : بعد تسبيح الركوع ، كذا في شرح السنة . ( ثم ترفع رأسك من الركوع ، فتقولها عشرا ) ، أي بعد التسميع والتحميد ، ( ثم تهوي ) : في الصحاح : هوى بالفتح يهوي بالكسر هويا إذا سقط إلى أسفل ، ( ساجدا ) : حال ( فتقولها وأنت ساجد عشرا ) : [ ص: 995 ] أي بعد تسبيح السجود ، ( ثم ترفع رأسك من السجود ، فتقولها عشرا ) : من غير زيادة دعاء عندنا ، وظاهر مذهب الشافعي أن يقولها بعد : رب اغفر لي ، ونحوه . ( ثم تسجد ) ، أي ثانيا ( فتقولها عشرا ، ثم ترفع رأسك ) ، أي : من السجدة الثانية ( فتقولها عشرا ) ، أي : قبل أن تقوم على ما في الحصن ، وهو يحتمل جلسة الاستراحة وجلسة التشهد ، ( فذلك ) ، أي : مجموع ما ذكر من التسبيحات ( خمس وسبعون ) ، أي : مرة على ما في الحصن ( في كل ركعة ) ، أي : ثابتة فيها ( تفعل ذلك ) ، أي : ما ذكر في هذه الركعة ( في أربع ركعات ) ، أي : في مجموعها بلا مخالفة بين الأولى والثلاث فتصير ثلاثمائة تسبيحة ( إن استطعت ) : استئناف ، أي : إن قدرت ( أن تصليها ) ، أي : هذه الصلاة ( في كل يوم مرة فافعل ، فإن لم تفعل ) ، أي : في كل يوم لعدم القدرة ، أو مع وجودها لعائق ، ( ففي كل جمعة ) : بضم الميم وتسكن ، أي : في كل أسبوع ، والتعبير بها إشارة إلى أنها أفضل أيام الأسبوع ( مرة ، فإن لم تفعل ) : لما تقدم ( ففي كل شهر مرة ، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة ، فإن لم تفعل ففي عمرك ) : بضم الميم وتسكن ( مرة " . رواه أبو داود ، وابن ماجه ) ، أي : عن ابن عباس ، وروي عن أبي رافع أيضا ( والبيهقي في الدعوات الكبير ) : قال ميرك : ورواه ابن خزيمة في صحيحه وغيرهم من حديث ابن عباس اهـ . ورواه الحاكم وابن حبان ، عن ابن عباس على ما في الحصن .

التالي السابق


الخدمات العلمية