صفحة جزء
1334 - وعن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه بمنا ، ركعتين . متفق عليه .


1334 - ( وعن حارثة بن وهب الخزاعي ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا ) : بالرفع ، وقيل : بالنصب ، فالرفع على أنه خبر نحن ، وما مصدرية ، ومعناه الجمع ; لأن ما أضيف إليه أفعل التفضيل يكون جمعا . ( قط ) : ظرف بمعنى الدهر ، والزمان متعلق بكنا .

قال الأشرف : قط مختص بالماضي المنفي ، ولا منفي هنا ، فتقديره ما كنا أكثر من ذلك ولا آمنه قط . ( وآمنه ) : عطف على ( أكثر ) وقط مقدر هاهنا ، والضمير فيه راجع إلى ما كنا ، والواو في " ونحن " للحال المعترضة بين صلى ومعموله ، وهو ( بمنا ) : بالانصراف ، وفي نسخة " بمنى " غير منصرف ، قال الطيبي : إن قصد إلى البقعة لا ينصرف ، ويكتب بالياء وإن قصد بالموضع ينصرف ويكتب بالألف والأغلب تذكيره ، وسمي بذلك لكثرة ما يمنى فيه من الدماء ، أي : يراق ، وقيل : لأنه تعالى يمن فيها على عباده بالمغفرة كذا ذكره ابن حجر في المنح ، والقيل لا يلائم مادة الاشتقاق ، وقيل : لأن جبريل لما أراد مفارقة آدم قال له : تمن قال : أتمنى الجنة ، أو لتقدير الله فيه الشعائر من منى ، أي : قدر ، والمعنى صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت والحال أنا بمنا . ( ركعتين ) ، أي في حجة الوداع ، والحال أنه في ذلك الوقت أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددا ، وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا ، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز كذا ، قاله الطيبي ، وقال شارح : ضمير آمنه عائد إلى " ما " إن كانت موصوفة تقديره : ونحن حينئذ أكثر عدد كنا قبل إياه ، وآمن عدد كنا قبل إياه ، وإلى المصدر المقدر إن كان " ما " مصدرية ، أي : ونحن أكثر كون ، أي وجود ، وآمن كون ما كنا قبل ، وجيء ب ( قط ) لاشتماله على النفي ، أي : ما كنا قبل ذلك الزمان مثل ذلك العدد ومثل ذلك الأمن قط ، وفي المفاتيح : وروي : أمنة جمع آمن كطلبة وطالب ، فعلى هذا يجوز أن يكون أكثر بمعنى كثير ، " وما " نافية ، وخبر كنا محذوف ، أي : ونحن كثيرون ما كنا مثل ذلك قط ونحن أمنة .

وقال الأبهري : يجوز أن تكون " ما " نافية خبر المبتدأ ، أو أكثر منصوبا على أنه خبر كان ، ويجوز إعمال ما فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس ، والتقدير : ونحن ما كنا قط في وقت أكثر منا في ذلك الزمان ، ولا آمن منا فيه من الأمان ، قيل : ويجوز أن يكون آمنه فعلا ماضيا ، وضمير الفاعل مضافا إلى الله تعالى ، وضمير المفعول إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : آمن الله نبيه حينئذ .

قال الطيبي : أقول هذا على أن يكون ( أكثر ) خبر كان ; إذ لا يستقيم أن يعطف وآمنه على أكثر وهو تعسف جدا ، والوجه هو الأول . أعلم أن العلماء اتفقوا على جواز القصر في السفر ، واختلفوا هل هو رخصة أو عزيمة ؟ فأبو حنيفة على الثاني ، وغيره على الأول ، وحكي عن داود : أنه لا يجوز إلا في سفر واجب ، وعنه أيضا أنه يختص بالخوف ، ولا تجوز الرخص في سفر المعصية عند الثلاثة .

قال ابن حجر : ولا يعارضه تقييد القصر في الآية بالكفار ; لأنه خرج مخرج الغالب من أحوال المسافرين حال نزولها في الخوف من الكفار ، فلا مفهوم له ، وفي هذا غاية الفخامة له صلى الله عليه وسلم ; حيث بين أن ما وقع في الآية ليس قيد توسعة على الأمة وإعلاما بأن فعله منسوب إلى ربه ; لأنه خبره في خلقه ، وقال أبو حنيفة : سفر الطاعة والمعصية سواء في الرخص . ( متفق عليه ) : ورواه الأربعة ، قاله ميرك .

[ ص: 1000 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية