صفحة جزء
128 - وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن يهودية دخلت عليها ، فذكرت عذاب القبر فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر . فقال : ( نعم ، عذاب القبر حق ) . قالت عائشة : فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر . متفق عليه .


128 - ( وعن عائشة ) : رضي الله عنها ( أن يهودية دخلت عليها ) ، قال ابن حجر : لا يلزم من ذلك رؤية اليهودية لعائشة المحرم عندنا لمفهوم قوله تعالى : أو نسائهن المقتضي لحرمة كشف المسلمة شيئا من بدنها لكافرة لأنها قد تصفها لكافر فيفتنها اهـ .

ومفهوم المخالفة عندنا غير معتبر ، ولم ينقل أحد أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كن يحتجبن عن نساء الكفار ( فذكرت ) ، أي : اليهودية ( عذاب القبر ، فقالت ) ، أي : اليهودية ، وهو يحتمل أن يكون تفسيرا أو تفريعا ( لها ) ، أي : لعائشة ( أعاذك الله ) ، أي : حفظك وأجارك ( من عذاب القبر ) ، جاز علم اليهودية بعذاب القبر لقراءتها في التوراة ، أو لسمعها ممن قرأ في التوراة ، وكانت عائشة لم تعلم ولم تسمع ذلك ( فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ) ، أي : أحق هو ؟ ( فقال : نعم عذاب القبر حق ) . ، أي : ثابت ومتحقق وكائن وصدق ( قالت عائشة : فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ) ، أي : بعد سؤالي ذلك ( صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر ) . وهو يحتمل داخل الصلاة وخارجها ، والأول أظهر ، ومن ثم أوجب ذلك بعض العلماء . قيل : يحتمل أنه ما علم ذلك قبل ، أو علم ولم يتعوذ حتى سمع من اليهودية فتعوذ ، أو كان يتعوذ ولم تشعر به عائشة ، وقيل : كان يتعوذ منه قبل هذا سرا ، فلما رأى تعجبها منه أعلن به خلف كل صلاة ; ليثبت في قلبها وليقتدي به أمته ، وليشتهر ذلك بين الأمة ويترسخ في عقائدهم ، وليكونوا على خيفة منه ، وجاز أنه عليه الصلاة والسلام كان قبل هذا يتعوذ منه سرا متوقفا في شأن أمته فيه قبل أن يوحى إليه ، ثم تعوذ منه أعاذنا الله بلطفه منه .

قال التوربشتي : روى الطحاوي أنه عليه الصلاة والسلام سمع اليهودية قالت ذلك فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أوحي إليه بفتنة القبر ، ووجدت في حديث آخر أن عائشة رضي الله عنها قالت : لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ قبل ذلك ولم أشعر به ، أو تعوذ بقول اليهودية؟ قال الطيبي : فعلى [ ص: 208 ] هذا فيه تواضع منه عليه الصلاة والسلام ، وإرشاد للخلق إلى قبول الحق من أي شخص كان ، فإن الحكمة ضالة المؤمن ، وفيه : أنه يبعد أنه عليه الصلاة والسلام يعتمد في المسألة الاعتقادية على قول اليهودية ، بل إنه اعتمد على الوحي كما تقدم ، والله أعلم .

وأما قول ابن حجر : " وما نقل عن الطحاوي يحتاج إلى نقل " فهو غريب لأن نقله نقل فإنه من المحدثين المشهورين المعروفين بالثقة والعدالة والضبط في الغاية ، لا سيما وهذا ليس مما يقال بالرأي فيجب حسن الظن به ، ومن العجيب أنه لو نقل مثل هذا عمن هو دونه في الرتبة من أصحاب مذهبه كان سندا معتمدا عنده ، ثم في الحديث تنبيه على أنه لا يجوز لأحد من خلق الله أن يأمن من عذاب الله . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية