صفحة جزء
[ ص: 1028 ] [ 44 ] باب التنظيف والتبكير

الفصل الأول .

1381 - عن سلمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " . رواه البخاري .


[ 44 ] باب التنظيف والتبكير

أي : تطهير الثوب والبدن من الوسخ والدرن ، ومن كماله التدهين والتطيب . ( والتبكير ) : في النهاية : بكر بالتشديد أتى الصلاة في أول وقتها ، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه ، وفي حديث الجمعة : " من بكر وابتكر " فقيل معناهما واحد وكرر للمبالغة ، وقيل معنى ابتكر أدرك أول الخطبة ، وأول كل شيء باكورته .

الفصل الأول .

1381 - ( عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغتسل " ) : بالرفع ( " رجل يوم الجمعة " ) : قال ابن حجر : ومثله المرأة كما أفاده الحديث الصحيح : من أتى الجمعة من الرجال أو النساء فليغتسل ، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء ، وفيه أن حكم النساء تغير في زماننا ; إذ لا يستحب لهن الخروج إلى الجمعة ( " ويتطهر " ) : وفي نسخة صحيحة : " فيتطهر " ، أي يتنظف ( " ما استطاع " ) ، أي : ما قدر ( " من طهر " ) : التنوين للتكثير ، قاله الطيبي ، وقال المظهر : أراد بالطهر قص الشارب ، وقلم الأظفار ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وتنظيف الثياب ، ( " ويدهن " ) : بتشديد الدال ، أي : يتدهن ( " من دهنه " ) : بضم أوله ( " أو يمس " ) : قيل : " أو " للتنويع ، والمعنى إن لم يجد الدهن يمس ، وقيل : أو للشك اهـ . والأظهر أن " أو " بمعنى " الواو " ; لأن المطلوب اجتماعهما أو لمنع الخلو ، والمعنى أنه يستعمل ( " من طيب بيته " ) : قال الطيبي : قيده إما توسعة كما ورد في حديث أبي سعيد : ومس من طيبه إن كان عنده ، أو استحبابا ليؤذن بأن السنة أن يتخذ الطيب لنفسه ، ويجعل استعماله عادة له ، فيدخره في بيته ، فلا تختص الجمعة بالاستعمال ، قال السيد جمال الدين : لكن يفهم من الحديث الاهتمام باستعمال الطيب في خصوصية هذا اليوم اهـ .

ومن المعلوم أن التطيب مستحب دائما ، لكن أكد زيادة تأكيد في خصوص وقت إرادة حضور الجمعة ، قال زين العرب : معنى الدهن هنا الطيب ، و ( أو يمس ) للتردد من الراوي ، وقيل : تخير لأن أكثر أدهانهم كان مطيبا ، وقال العسقلاني : أو يمس من طيب بيته ، أي : إن لم يجد دهنا . أو تكون " أو " بمعنى الواو وإضافته إلى البيت حقيقة ، لكن في حديث ابن عمر ، عن أبي داود : " يمس من طيب امرأته " ، وهو موافق لحديث أبي سعيد عند مسلم ، قال : ولو من طيب المرأة اهـ .

وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به المرأة ، وفيه بحث لأن رواية : " ولو من طيب المرأة " تقتضي أن المراد بالبيت حقيقته ، تأمل ، قاله ميرك . فتأملنا فوجدنا الأمر أوسع من ذلك ، فإن المراد بقوله : من طيب بيته حقيقة بيت الرجل ، وهو أعم من أن يكون متزوجا أو عزبا ، ولا ينافيه من طيب امرأته ; لأن طيبها غالبا من عنده ، ويطلق عليه أنه من طيب بيته ، فإن الإضافة تصح لأدنى ملابسة ، ولما كان طيبها غالبا متميزا عن طيب الرجل متعينا متبينا لها ، أشار - عليه السلام - أنه ينبغي أن يكون للرجل طيب مختص لاستعماله ، وأكد في التطيب في يوم الجمعة ، وبالغ حتى قال : " ولو من طيب المرأة " ، أي : ولو من طيبها حقيقة ، أي : من ملكها ، فإن حسن المعاشرة بينهما يقتضي هذا الانبساط ، والله أعلم .

( " ثم يخرج " ) ، أي : ابتغاء لوجه الله تعالى لا لسمعة ورياء ولا لخوف وحياء ، ( " فلا يفرق " ) : بتشديد الراء المكسورة ( " بين اثنين " ) : كالوالد والولد ، أو الصاحبين المستأنسين ، أو لا يفرق بين اثنين لا فرجة بينهما ، فيحصل الأذى لهما ، وقال الطيبي : هو عبارة عن التبكير ، أي : عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس ، ويفرق بين اثنين ، أو عبارة عن الإبطاء ، أي : لا يبطئ حتى لا يفرق ، فحينئذ ينطبق الحديث على الباب يعني من الجمع بين التنظيف [ ص: 1029 ] والتبكير ، لكن لا يخفى أن العنوان كله لا يلزم أن يوجد في كل حديث من الباب ، قال ابن حجر : ويصح أن يراد به ظاهره من طلب عدم التخطي ، وإن لم يبكر بأن يجلس آخر الناس ، ولا يتخطى أحدا منهم ، ثم رأيت الحديث الآتي أول الفصل ، وهو صريح في هذا المعنى . ( " ثم يصلي ما كتب له " ) : قال ابن حجر ، أي : ما فرض عليه من الجمعة وهو غير صحيح لقوله الآتي : ثم ينصت ، ولقوله له : فالصواب كما في الحديث الآتي : ما قدر له ، أي من سنة الجمعة ، وهي أربع ، أو غيرها من القضاء أو النوافل ، وأقله ركعتان تحية المسجد إن لم يكن الإمام في الخطبة ويشير إليه قوله : ( " ثم ينصت " ) : بضم الياء يقال : أنصت ينصت إنصاتا إذا سكت سكوت مستمع ، وقد نصت أيضا وأنصته إذا أسكته ، فهو لازم متعد كذا في النهاية . وقول ابن حجر : وبالفتح يوهم أنه رواية أو نسخة وليس كذلك . ( " إذا تكلم الإمام " ) ، أي : خطب .

قال ابن الهمام : يحرم في الخطبة الكلام ، وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا ، والأكل والشرب والكتابة ، ويكره تشميت العاطس ورد السلام ، وهل يحمد إذا عطس ؟ الصحيح نعم في نفسه ، ولو لم يتكلم ، لكن أشار بعينه أو بيده حين رأى منكرا ، الصحيح أنه لا يكره ، وهذا كله إذا كان قريبا بحيث يسمع ، فلو كان بعيدا بحيث لا يسمع اختلف المتأخرون فيه ، فمحمد بن سلمة اختار السكوت ، ونصير بن يحيى اختار القراءة اهـ .

وقال أحمد : لا بأس بالذكر لمن لم يسمع ، وأما قول مالك فكقول أبي حنيفة . ( " إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " ) : المراد بها الماضية أو المستقبلة ، والأولى أولى ; لأن الغفران بالسابق أحرى ، قال الكرماني : كلاهما محتمل ، وقال العسقلاني : المراد بالأخرى التي مضت كما في صحيح ابن خزيمة ولفظه : " غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها " ، قال ميرك : أقول : وكما في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد ، وأبي هريرة الآتي في أول الفصل الثاني ولفظه : " كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها " ، لكن ما في حديث ابن عمر عند أبي داود أيضا بلفظ : " فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام " ، يؤيد ما قاله الكرماني تأمل . اهـ . فتأملنا فوجدنا قوله : التي تليها يحتمل الاحتمالين ، فحملنا على المعنى الذي ورد نصا في الحديثين الآخرين ، قيل : يشكل عليه أن الجمعة التي تعقب لا شيء فيها مكفر . وأجيب : بأن القاعدة في المكفرة المرتبطة بزمن أو عمل أنها إن وجدت شيئا كفرته وإلا رفع للفاعل درجات بقدر تلك الطاعة . ( رواه البخاري ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية