صفحة جزء
1384 - وعنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة على باب المسجد ، يكتبون الأول فالأول ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كبشا ، ثم دجاجة ، ثم بيضة ، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ، ويستمعون الذكر " متفق عليه .


1384 - ( وعنه ) ، أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة " ) : قال ابن حجر : هم غير الحفظة اهـ . والمعنى أنهم يستمرون من الصبح ، أو من طلوع الشمس ، أو من حين الزوال وهو أقرب ، ( " على باب المسجد " ) ، أي : الجامع ( " يكتبون الأول فالأول " ) : قال الطيبي ، أي الداخل الأول ، والفاء فيه وثم في قوله : ثم كالذي يهدي بقرة كلتاهما لترتيب النزول من الأعلى إلى الأدنى ، لكن في الثانية تراخ ليس في الأولى . ( " ومثل المهجر " ) ، أي : المبكر إلى الجمعة ، والتبكير إلى كل شيء هو المبادرة إليه ، وهي لغة حجازية كذا في النهاية ، وقال بعض الشراح من أئمتنا ، أي السائر إلى المسجد بعد الزوال ; لأن التهجير هو السير في الهاجرة ، وذلك إنما يكون نصف النهار ، وقيل : التهجير إلى الصلاة التبكير إليها على سبيل الاتساع جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ، ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة ، كما يسمى النصف الأول من النهار غدوة والآخر عشية ، قال الطيبي : والواو في قوله : " ومثل المهجر " عطفت الجملة على الجملة الأولى ، وفوض الترتيب إلى الذهن ; لأنها وقعت موقع الفاء التفصيلية ، والواو هنا أوقع من الفاء ; لأنها توهم العطف على الأول الثاني ، والحال أنه عطف على يكتبون . ( " كمثل الذي يهدي " ) : من الإهداء ( " بدنة " ) ، أي : ناقة تنحر بمكة . من بدن الرجل بالفتح والضم ، أي ضخم ، والبدنة وإن كانت تطلق على البقرة أيضا عندنا عند الإطلاق ، لكن تقابلها هنا بقوله : ( " ثم كالذي يهدي بقرة " ) : خصها بالناقة .

قال الطيبي : سميت بدنة لعظم بدنها وهي الإبل خاصة ، وفي اختصاص ذكر الهدي وهو مختص بما يهدى إلى الكعبة إدماج لمعنى التعظيم في إنشاء الجمعات ، وأنه بمثابة الحضور في عرفات ، قال ابن حجر : المراد بالبدنة هنا [ ص: 1031 ] واحدة من الإبل ، وإن كانت تطلق على البقر بل الغنم ، تارة للوحدة ، أي : ينقلها إلى حرم مكة ليذبحها فيه تقربا إلى الله تعالى ، وفيه إيماء إلى ما ورد : الجمعة حج المساكين . ( " ثم كبشا " ) : وهو الحمل إذا أثنى ، أو إذا خرجت رباعيته ، كذا في القاموس ، وفي رواية : كبشا أقرن مبالغة في حسنه ، ( " ثم دجاجة " ) : فتح الدال أفصح من كسرها كذا في الصحاح . قال ابن حجر : وحكي الضم ، وفي رواية صحيحة : بدل الدجاجة بطة ، وفي رواية : ثم كالذي يهدي عصفورا ، ( " ثم بيضة " ) : وفي قبول الإهداء بالأخيرين في الجمعة دون الحج إشارة إلى سعة الفضل والكرم ، وإيماء إلى أن الحج مفروض على الأغنياء ، والجمعة عامة أهلها الفقراء ، ( " فإذا خرج الإمام " ) : أراد نفسه - عليه الصلاة والسلام - فالمراد الخروج الحقيقي من الحجرة الشريفة ، أو المعنى إذا ظهر الإمام بدخوله إلى المسجد ، أو بطلوعه على المنبر ، والأخير أنسب .

( " طووا " ) أي : الملائكة ، ( " صحفهم " ) أي : دفاترهم التي يكتبون فيها أسماء أهل الجمعة أولا فأولا ، والأجر على قدر مراتبهم في السبق فرعا وأصلا ، وفي رواية النسائي : " طووا صحفهم فلا يكتبون شيئا " أي : من ثواب التبكير . ( " ويستمعون " ) أي : الملائكة مع الناس ( " الذكر " ) أي : الخطبة .

قال تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ، وسميت به لاشتمالها عليه ، بل هو المقصود من إجمالها وإكمالها ، ولعل العدول عن قوله : واستمعوا المناسب للعطف على طووا ; حصول اشتراك الغير معهم في الاستماع ، ودخولهم في مداخل المؤمنين على وجه الاجتماع . قال الطيبي قوله : فإذا خرج الإمام ، يؤذن بأن الإمام ينبغي أن يتخذ مكانا خاليا قبل صعوده المنبر تعظيما لشأنه ، كذا وجدناه في دمشق المحروسة اهـ . وهو بدعة أحدثها الأمراء حيث كانوا خطباء لتكبرهم على الفقراء ، وعدم اختلاطهم بالأولياء ، وتسلطهم على طلبة الدنيا من العلماء . ( متفق عليه ) .

قال الشمني : وروى البخاري من حديث أبي الدرداء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " .

فذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أن المراد بالساعات لحظات لطيفة بعد الزوال ; لأن الرواح في اللغة : الذهاب بعد الزوال ، وذهب الجمهور إلى أنها أول النهار ، والرواح . قال الأزهري : إنه الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره ، أو في الليل ; لأن ذكر الساعات إنما هو للحث على التبكير إليها ، والترغيب في فضيلة السبق ، وانتظار الجمعة ، والاشتغال بالتنفل والذكر ، وهذا لا يحصل بالذهاب بعد الزوال اهـ . وقد كان السلف يمشون على السرج يوم الجمعة إلى الجامع ، وفي الإحياء : وأول بدعة حدثت في الإسلام ترك التبكير إلى المساجد .

التالي السابق


الخدمات العلمية