صفحة جزء
1388 - وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من غسل يوم الجمعة واغتسل ، وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام ، واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة : أجر صيامها وقيامها " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .


1388 - ( وعن أوس بن أوس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من غسل " ) : بالتشديد ويخفف أي : ثيابه ، ( " يوم الجمعة " ) قال التوربشتي : روي بالتشديد والتخفيف ، فإن شدد فمعناه : حمل غيره على الغسل بأن يطأ امرأته ، وبه قال عبد الرحمن بن الأسود وهلال ، وهما من التابعين كأن من قال ذلك ذهب إلى أن فيه غضة للبصر ، وصيانة للنفس عن الخواطر التي تمنعه من التوجه إلى الله بالكلية ، وقيل : التشديد فيه للمبالغة دون التعدية ، كما في قطع وكسر ; لأن العرب لهم لمم وشعور ، وفي غسلها كلفة ، فأفرد ذكر غسل الرأس لذلك ، وإليه ذهب مكحول ، وبه قال أبو عبيدة ، وإن خفف فمعناه : إما التأكيد ، وإما غسل الرأس أولا بمثل الخطمي ، ثم الاغتسال للجمعة . ( " واغتسل " ) أي : تغسل بنفسه ، وفي حاشية السيد جمال الدين ، قال زين العرب : غسل بالتشديد قال كثير : إنه المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة ; لأنه مجمع غض الطرف في الطريق ، يقال : غسل الرجل امرأته بالتشديد والتخفيف إذا جامعها ، قيل بالتشديد معناه اغتسل بعد الجماع ، ثم اغتسل للجمعة ، فكرر لهذا المعنى ، وقيل : غسل بالغ في غسل الأعضاء سباغا وتثليثا ، وقيل : هما بمعنى كرر للتأكيد .

قال : ( " وبكر وابتكر " ) ، ومنهم من يروي غسل بالتخفيف ، وحينئذ فاغتسل لا يخلو من الزيادة ، ككسب واكتسب ، فأما أن يحمل الأول على الوضوء ، أو الأول على غسل الجمعة ، والثاني على غسل رأسه بالخطمي ونحوه ; لأن من فعل ذلك تكون نظافته أبلغ اهـ .

والأظهر أن الأول يحمل على غسل الرأس ، والثاني على الاغتسال للجمعة . قال الطيبي : وكان الإمام أحمد يذهب إلى الأول ثم رجع إلى التخفيف . قال النووي : والمختار في غسل ما اختاره البيهقي وغيره من المحققين أنه بالتخفيف ، وأن معناه غسل رأسه ، ويؤيده رواية أبي داود : ومن غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ، وروى أبو داود ، والبيهقي هذا التفسير عن مكحول وغيره . قال البيهقي : وهو بين ما في رواية أبي هريرة ، وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال السيد : وقوله بكر بالتشديد أي : أتى الصلاة في أول وقتها ، وكل من أسرع في شيء فقد بكر إليه أي : في أي وقت كان ; لقوله - عليه الصلاة والسلام : " لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب " . قاله الطيبي : وابتكر معناه : أدرك أول الخطبة ، وأول كل شيء باكورته ، وابتكر إذا أتى باكورة الفاكهة .

[ ص: 1035 ] قال التوربشتي : هذا قول أبي عبيدة . وقال ابن الأنباري : بكر : تصدق قبل خروجه ، يتأول على ما روي في الحديث : " باكروا بالصدقة ; فإن البلاء لا يتخطاها " ، وتابعه الخطابي . وأرى نقل أبي عبيدة أولى بالتقديم ; لمطابقته أصول اللغة ، ويشهد لصحته تنسيق الكلام ; فإنه حث على التبكير ، ثم الابتكار ، فإن الإنسان يغدو إلى المسجد أولا ثم يستمع الخطبة ثانيا . اهـ كلام التوربشتي .

قلت : دعوى شهادة تنسيق الكلام لصحة قول أبي عبيدة منه ممنوع ، بل هو يشهد لما قاله ابن الأنباري ; فإنه حث على التبكير ( " ومشى ولم يركب " ) وأما حمله على مباكرة الصدقة فأمر خارج عن النسق ، وقول التوربشتي : لمطابقته أصول اللغة ، أفاد أن قول ابن الأنباري غير موافق لمواد اللغة ، وهو كذلك لأن مادة بكر لم تجئ بمعنى تصدق ، وليس في الحديث الذي ذكره دلالة عليه بحسب اللفظ أصلا ، وإنما هو تقوية لأصل المعنى الذي أراده فتأمل فإنه لا يخلو عن خطل .

وأما قول ابن حجر : بكر بالتخفيف أي : خرج من بيته باكرا فمخالف للأصول المصححة ، ولكتب اللغة ، ففي القاموس بكر عليه وإليه وفيه بكورا ، وبكر وابتكر وأبكر وباكره : أتاه بكرة اهـ . وفيه دلالة على أن بكر بالتخفيف لا يستعمل إلا بإحدى حروف الجر المذكورة ، نعم قيل بكر مبالغة بكر بالتخفيف من البكور على ما ذكره الطيبي ، وأما ما قيل : هما بمعنى ، جمع بينهما تأكيدا فهو استرواح ، وأما الجمع بين قوله : " ومشى ولم يركب " ، فقيل : هما بمعنى ، جمع بينهما تأكيدا . وقال النووي : المختار أن قوله : ولم يركب أفاد دفع توهم حمل المشي على المضي ولو راكبا ، ونفي احتمال أن يراد بالمشي ولو في بعض الطريق أولا ، ثم التصديق ثانيا ، ثم بالمشي والدنو من الإمام . تم كلامه .

أقول : هذا تزييف ضعيف ; فإن المراد بنسق الكلام تتابعه من السباق واللحاق ، وتناسبه من معنى الوفاق فما قبله من قوله : وغسل واغتسل من باب واحد من التأكيد الحقيقي ، أو التغاير الاعتباري ، وكذلك بعده من قوله : ( " ودنا " ) أي : قرب ( " من الإمام " ) أي : الخطيب ( " واستمع " ) أي : ما يلقي إليه من الكلام ( " ولم يلغ " ) : بضم الغين أي : بالكلام مع الأنام ، وبالفعل العبث من أفعال العوام ، ( " كان له بكل خطوة " ) : بفتح الخاء وتضم ( " عمل سنة " ) أي : ثواب أعمالها ( " أجر صيامها وقيامها " ) : بدل من : " عمل سنة " ( رواه الترمذي وقال : حسن ) . وقال النووي : إسناده جيد ، نقله ميرك . ( وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ) قال ميرك ، والحاكم ، وقال : صحيح . قال ابن حجر : ورواه أحمد ، وصححه ابن حبان والحاكم وقال : إنه على شرط الشيخين . قال بعض الأئمة : لم نسمع من الشريعة حديثا صحيحا مشتملا على مثل هذا الثواب أي : فيتأكد العمل لينال الأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية