صفحة جزء
[ ص: 1051 ] [ 46 ] باب صلاة الخوف

" الفصل الأول "

1420 - عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - عن أبيه ، قال : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد ، فوازينا العدو ، فصاففنا لهم ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا ، فقامت طائفة معه ، وأقبلت طائفة على العدو ، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه وسجد سجدتين ، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل ، فجاءوا ، فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة ، وسجد سجدتين ، ثم سلم ، فقام كل واحد منهم ، فركع لنفسه ركعة ، وسجد سجدتين . وروى نافع نحوه . وزاد : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا ، قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة ، أو غير مستقبليها ، قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري .


[ 46 ] باب صلاة الخوف

أي : أحكام الصلاة عند الخوف من الكفار ، وأجمعوا على أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكي عن المزني أنه قال : هي منسوخة ، وعن أبي يوسف : أنها مختصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى : وإذا كنت فيهم ، وأجيب : بأنه قيد واقعي نحو قوله : إن خفتم في صلاة المسافر ، ثم اتفقوا على أن جميع الصفات المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف معتد بها ، وإنما الخلاف بينهم في الترجيح ، قيل : جاءت في الأخبار على ستة عشر نوعا ، وقيل : أقل . وقيل : أكثر ، وقد أخذ بكل رواية منها جمع من العلماء ، وما أحسن قول أحمد : لا حرج على من صلى بواحدة مما صح عنه - عليه الصلاة والسلام - . قال ابن حجر : والجمهور على أن الخوف لا يغير عدد الركعات ، ومعنى الخبر السابق ، وفي الخوف ركعة ، الذي أخذ بظاهره ابن عباس : أن المأموم ينفرد فيه عن الإمام بركعة كما يأتي ; ليلتئم مع بقية الأحاديث المصرحة بأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يصل هو وأصحابه في الخوف أقل من ركعتين .

" الفصل الأول "

1420 - ( عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، قال ) أي : ابن عمر ( غزوت ) أي : الكفار . في القاموس غزا العدو : سار إلى قتالهم . ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) : حال ( قبل نجد ) : بكسر القاف ، وفتح الباء ، نصبا على الظرف ، أي : ناحيته ، والنجد ما ارتفع من الأرض . قال الأبهري : والمراد هنا نجد الحجاز لا نجد اليمن . وقال ابن حجر : هو اسم لكل ما ارتفع من بلاد العرب من تهامة إلى العراق . ( فوازينا العدو ) أي : حاذيناه وقابلناه . في النهاية الموازاة : المقابلة والمواجهة ، يقال : وازيته إذا حاذيته . وفي الصحاح هو بإذائه أي : بحذائه ، وقد آزيته أي : حاذيته ، ولا تقل وازيته . والمفهوم من القاموس أيضا أنه مهموز فقط ، لكن رواية المحدثين مقدمة على نقل اللغويين ، مع أن المثبت مقدم على النافي ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، لا سيما ووافقهم صاحب النهاية أو هما لغتان كالمواكلة والمواخذة . ( فصاففنا ) أي : قمنا صفين كما سيأتي . ( لهم ) أي : لحربهم ، أو جعلنا نفوسنا صفين في مقابلتهم . ( فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ) أي : بالجماعة إماما . ( لنا ) أي : لتحصيل ثوابنا على التسوية بيننا حيث لم يصل مع جماعة ، وترك جماعة أخرى يصلون مع غيره ، وفيه دلالة على كراهة تعدد الجماعة ، لا سيما إذا كان القوم حاضرين ، وإشعار بأن الفرض لا يجوز خلف التنفل ، وإلا لأمكنه - عليه الصلاة والسلام - أن يصلي مرتين بالطائفتين ، والحديث من أقوى الحجج على وجوب الجماعة ، حيث ما ترك في تلك الحالة .

ثم رأيت ابن الهمام قال : واعلم أن صلاة الخوف على الصفة المذكورة إنما تلزم إذا تنازع القوم في الصلاة خلف الإمام ، أما إذا لم يتنازعوا فالأفضل أن يصلي بإحدى الطائفتين تمام الصلاة ، ويصلي بالطائفة الأخرى إمام آخر تمامها . ( فقامت طائفة معه ) : الظاهر أنهم السابقون في الإسلام . ( وأقبلت طائفة ) : وهم اللاحقون . ( على العدو ) أي : على جانبهم بالوقوف في مقابلتهم لدفع مقاتلتهم . ( وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : أتى بالركوع . ( بمن معه ) : [ ص: 1052 ] أي : مع الذين قاموا معه . ( وسجد سجدتين ) أي : بمن معه . ( ثم انصرفوا ) أي : الطائفة التي صلت تلك الركعة . ( مكان الطائفة التي لم تصل ، فجاءوا ) أي : التي ما صلت . ( فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : فعل الركوع . ( بهم ) : وقول ابن الملك أي : صلى لم يصح ; لأن قوله : ( ركعة ) بمعنى ركوعا ; لقوله : ( وسجد سجدتين ) إذ الركعة لا تكون إلا بانضمام السجدتين . ( ثم سلم ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده . ( فقام كل واحد منهم ) أي : من المأمومين من الطائفتين . ( فركع لنفسه ركعة ، وسجد سجدتين ) وتفصيله : أن الطائفة الثانية ذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت الأولى إلى مكانهم وأتموا صلاتهم منفردين ، وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت الطائفة الثانية وأتموا منفردين ، وسلموا كما ذكره بعض الشراح من علمائنا . قال ابن الملك : كذا قيل ، وبهذا أخذ أبو حنيفة ، لكن الحديث لم يشعر بذلك اهـ .

وهو كذلك ، لكن . قال ابن الهمام : ولا يخفى أن هذا الحديث إنما يدل على بعض ما ذهب إليه أبو حنيفة ، وهو مشي الطائفة الأولى ، وإتمام الطائفة الثانية في مكانها من خلف الإمام ، وهو أقل تغييرا ، وقد دل على تمام ما ذهب إليه ما هو موقوف على ابن عباس من رواية أبي حنيفة ، ذكره محمد في كتاب الآثار ، وساق إسناد الإمام ، ولا يخفى أن ذلك مما لا مجال للرأي : فيه ، فالموقوف فيه كالمرفوع اهـ .

وبه اندفع كلام النووي بأنه لم يرد في شيء من طرق الحديث التي في الصحيحين وغيرهما : أن فرقة من الفرقتين جاءت إلى مكانها ثم أتمت صلاتها ، وإنما فيها أن كلا صلى بعد سلامه - عليه الصلاة والسلام - ما بقي في محله من غير مجيء . قال الطيبي : يفهم من الحديث أن كل طائفة اقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعة واحدة ، وصلوا لأنفسهم الركعة الأخيرة ، وهذا مذهب أبي حنيفة اهـ .

واختاره البخاري ، ثم المذهب أن الطائفة الأولى تتم صلاتها بلا قراءة كاللاحق ، والطائفة الثانية تتمها بالقراءة كالمسبوق ، وهذا إن كان الإمام مسافرا ، وأما إن كان مقيما والصلاة رباعية ، فيصلي مع كل طائفة ركعتين ، والمغرب مطلقا تصلى مع الطائفة الأولى ركعتين ، هذا وقد قال العلماء : قد جازت هذه الكيفية مع كثرة الأفعال فيها بلا ضرورة ; لصحة الخبر بها مع عدم المعارض ; لأنها كانت في يوم ، والكيفية الآتية في ذات الرقاع كانت في يوم آخر ، ودعوى النسخ باطلة لاحتياجها إلى معرفة التاريخ ، وتعذر الجمع ، وليس هنا واحد منهما .

( وروى نافع ) أي : عن ابن عمر أيضا . ( نحوه ) أي : معنى ما رواه سالم عنه . قال ابن الهمام : وما في البخاري في تفسير سورة البقرة ، عن نافع أن ابن عمر : كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة من الناس ، فيصلي بهم ركعة ، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا ، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ، ثم ينصرف الإمام ، وقد صلى ركعتين ، فتقوم كل واحدة من الطائفتين ، فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام ، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين ، فإن كان خوف . إلخ . فالصيغة في الحديث صيغة الفتوى لا إخبار عما كان - عليه الصلاة والسلام - فعل ، وإلا لقال : قام - عليه الصلاة والسلام - دون أن يقول : قام الإمام ; ولذا قال مالك : قال نافع : لا أرى . إلخ اهـ . وبه يتبين تحقيق هذا الحديث .

( وزاد ) أي : نافع عن ابن عمر في روايته ، عن سالم عنه ، وهذا أظهر من قول ابن حجر : أي : زاد ابن عمر . ( فإن كان خوف ) أي : هناك أو وقع خوف شديد ، والتنوين للتعظيم . ( هو أشد من ذلك ) أي : من الخوف الذي تقدم ، وهو مجرد المصافة ، وهو ما لا يمكن معه الجماعة بأن يلتحم القتال . ( صلوا ) أي : الناس منفردين . ( رجالا ) : بكسر الراء ، وتخفيف الجيم ، جمع رجلان بضم الراء ، بمعنى الراجل ضد الراكب ، وقيل بضم الراء ، وتشديد الجيم ، جمع راجل ، كذا قال في المفاتيح : والأظهر أن رجالا بالتخفيف جمع راجل ، وكذا ( قياما ) جمع قائم ، وقيل : إنه مصدر [ ص: 1053 ] بمعنى اسم الفاعل أي : قائمين . وهما حالان من فاعل صلوا ، أي : صلوا حال كونهم راجلين قائمين . ( على أقدامهم ) : وقال ابن حجر : بين بقوله قياما أن رجالا جمع راجل لا رجل ، وفيه إشارة إلى ترك الركوع والسجود ، والإيماء إليهما عند العجز عنهما ; لقوله : قياما على أقدامهم ، ويكون المراد قيامهم على أقدامهم في كل حالاتهم من صلاتهم . ( أو ركبانا ) أي : راكبين ، فأو للتخيير ، أو الإباحة ، أو التنويع . ( مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ) أي : بحسب ما يتسهل لهم ، وفي تقديم الراجل والمستقبل إشارة إلى الأفضلية والأولوية . وفي مذهب أبي حنيفة : يفسدها المشي ، والركوب ، والقتال . ( قال نافع : لا أرى بالضم ) أي : لا أظن . ( ابن عمر ذكر ذلك ) أي : المزيد الموقوف . قال ابن حجر : أي : فإن كان خوف . إلخ . أو مستقبلي القبلة إلخ . وهو ظاهر كلام أئمتنا ، لكن جزم بعض المحققين بالأول . قلت : فعليه المعول . إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا مجال للرأي فيه ، فهو في حكم المرفوع .

قال ابن حجر : وهو كما ظن نافع ، فقد جزم الشافعي بأن ابن عمر رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والحاصل أنه يلزمهم فعل الصلاة في وقتها ، ولم يجز لهم تأخيرها عنه ، وقيل : تمتنع هذه الكيفية ويجب تأخيرها ، حتى يزول الخوف ، كما فعل - عليه الصلاة والسلام - يوم الخندق ، وغلط فاعل ذلك بأنه مخالف للقرآن والسنة ، وقضية الخندق منسوخة كما مر اهـ .

وفيه أن قضية الخندق لم يكن فيها اشتداد الخوف . قال : وعن أبي حنيفة يجوز التأخير ولا يجب . قلت : لعله رواية عنه . قال : ويسن لهم الجماعة في هذه الحالة ، كما صرحت به الآية ، وقول أبي حنيفة بامتناعها ممنوع . قلت : التصريح في الآية ممنوع ، فالاعتراض على الإمام مدفوع . قال : ومن الشواذ القول بأنه يجزئ مكان كل ركعة تكبيرة ، وبأنه يجزئ ركعة يومئ بها ، فإن لم يقدر فسجدة ، وإن لم يقدر فتكبيرة اهـ .

ولعل القائل به أراد إدراك حرمة الوقت بما أمكنه من الفعل ، لا أنه يجزئ عن الصلاة بحيث تسقط عنه ; لأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع ، والله أعلم . ( رواه البخاري ) . قال ابن الهمام : حديث ابن عمر في الكتب الستة واللفظ للبخاري .

وقد روى أبو داود ، عن خصيف الجزري ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاموا صفا خلفه مستقبل العدو ، فصلى بهم - عليه السلام - ركعة ، ثم جاء الآخرون فقاموا في مقامهم ، واستقبل هؤلاء العدو ، فصلى بهم - عليه السلام - ركعة ثم سلم ، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة وسلموا ، وأعل بأن أبا عبيدة لم يسمع عن أبيه ، وخصيف ليس بالقوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية