صفحة جزء
1422 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بذات الرقاع ، قال : كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلق بشجرة ، فأخذ سيف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترطه ، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أتخافني ؟ قال : " لا " . قال : فمن يمنعك مني قال : " الله يمنعني منك ، فتهدده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمد السيف وعلقه ، قال : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين . قال : فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات ، وللقوم ركعتان . متفق عليه .


1422 - ( وعن جابر قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بذات الرقاع قال ) : أي : جابر . ( كنا ) أي : معشر الصحابة عند إرادة نزول المنزل . ( إذا أتينا ) أي : مررنا . ( على شجرة ظليلة ) أي : كثيرة الظل . ( تركناها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : لعدم الخيمة له ) ، يعني : فكذا فعلنا بذات الرقاع ، ونزل - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة للاستراحة إلى حين الاجتماع . ( قال ) أي : جابر . ( فجاء رجل من المشركين ) أي : فجأة . ( وسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلق بشجرة ) أي : قريبة منه ، أو بشجرة هو - عليه الصلاة والسلام - تحت ظلها . ( فأخذ ) أي : المشرك . ( سيف نبي الله - صلى الله عليه وسلم ) : إما لكونه نائما ، أو غافلا عنه ، والتغاير بين رسول الله أولا ، ونبي الله ثانيا ، إنما هو للتفنن ، وحذرا من الثقل لتوالي لفظين متحدين . ( فاخترطه ) أي : سله من غمده : وهو غلافه . ( فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أتخافني ؟ ) أي : في هذا الحال . ( قال : " لا " ) : فإن صاحب الكمال لا يخاف إلا من الملك المتعال ; لأن غيره لا ينفع ولا يضر في جميع الأحوال . ( قال : فمن يمنعك ) أي : يخلصك الآن . ( مني ؟ ) وفي رواية للبخاري قال : من يمنعك مني ثلاث مرات ؟ قال [ ص: 1055 ] ابن حجر : وهو استفهام إنكاري أي : لا يمنعك أحد مني . قلت : لا يلائمه . ( قال : " الله " ) أي : هو الذي سلطك علي . ( " يمنعني منك " ) : إذ لا حول ولا قوة إلا بالله .

قال الطيبي : كان يكفي في الجواب أن يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الله " فبسط اعتمادا على الله ، واعتضادا بحفظه وكلاءته . قال الله تعالى : والله يعصمك من الناس . قال الأبهري : وفيه دلالة على فرط شجاعته ، وصبره على الأذى ، وحلمه على الجهال . ( قال ) أي : جابر . ( فتهدده ) أي : هدده وخوفه . ( أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمد السيف ) : بفتح الميم المخففة وتشدد ، أي : أدخله في غلافه . ( وعلقه ) أي : في مكانه ، أو في غيره . ذكر الواقدي أنه إذ هم به أصابه داء بصلبه ، فبدر السيف من يده ، وسقط على الأرض ، وأنه أسلم واهتدى به خلق كثير ، وروى أبو عوانة أنه لم يسلم وإنما عاهد أنه لا يقاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما لم يعاقبه تألفا له أو لغيره ، ذكره ابن حجر .

( قال ) : أي : جابر . ( فنودي بالصلاة ) أي : أذن وأقيم للظهر أو العصر . ( فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ) : وفي نسخة : فتأخروا أي : عن الموضع الذي صلوا فيه ، واقتصروا على الركعتين ، وسلموا عنهما ، قاله ابن الملك ، والصواب أنهم تأخروا قاصدين جهة العدو ، إذ لا معنى للتأخر عن موضع الصلاة لأجل السلام عنها ، ومع هذا لا دلالة على الاقتصار على الركعتين منها . وأما قول ابن حجر : " ثم بعد سلامهم تأخروا " . فلا دلالة للحديث عليه .

( وصلى بالطائفة الأخرى ) أي : بعد مجيئهم إليه - عليه الصلاة والسلام - . ( ركعتين ) : قال ابن حجر : فيه رد لقول ابن سعد : لم يجد في محالهم إلا نسوة ، فأخذهن إذ لو كان الأمر كذلك لم يصل صلاة شدة الخوف ، وتأييد لقول ابن إسحاق : لقي جمعا منهم فتقارب الناس ، ولم يكن بينهم حرب ، وقد أخاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى - عليه الصلاة والسلام - بالناس صلاة الخوف اهـ .

وأنت إذا تأملت رأيت أنه لا منافاة بين قولي ابن سعد وابن إسحاق ; فإن الأول يحمل على الآخر ، والثاني على الأول ، فتأمل . قال المظهر : هذه الرواية مخالفة لما قبلها ، مع أن الموضع واحد ، وذلك لاختلاف الزمان اهـ . فيحمل على أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى في هذا الموضع مرتين . مرة كما رواه سهل ، ومرة كما رواه جابر ، فيحمل الأول على صلاة الصبح ، وهذا على الظهر أو العصر ; بدليل الاستظلال ، أو يحمل على تعدد هذه الغزوة كما سيجيء ، والله أعلم .

قال زين العرب : قيل : جاز أن يكون ذلك قبل آية القصر ، أو في موضع أقاموا فيه . قال : وأقول : فيه نظر إذ لو كان كذلك ، فكيف يكون للقوم ركعتان ؟ ! إذ لا يصح أن يكون لهم كذلك إلا بتقدير القصر . والذي يظهر من هذا الحديث أن القوم قصروا والنبي - صلى الله عليه وسلم - متم ، لكن مذهب الشافعي ليس كذلك ; لأن عنده من ائتم بمتم يتم ، وإن كانا مسافرين ، وليحقق هذا الموضع ، ولم أجد للشراح كلاما في هذا المقام اهـ .

أقول وبالله التوفيق ، وبيده أزمة التحقيق : إن ما قيل : أنه قبل آية القصر ، أو في موضع الإقامة هو الصحيح ، بل الصواب الذي لا وجه له غيره ، وهو مذهب الإمام الأعظم ، ولا يلزم أن يكون كل حديث محمولا على مذهب الإمام الشافعي ، مع أنه لو صح ذلك المعنى في الحديث لأجازه الشافعي ، إذ صلاة الخوف ليست مبنية على القياس ، بل مختصة منحصرة بما ورد عن سيد الناس ، والمراد بقوله : ركعتين أي : مع الإمام ، كما أن في الحديث الأول المراد بركعة أي : معه . وقال الطيبي : قيل : معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا ، وبالثانية كذلك ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثانية متنفلا وهم مفترضون اهـ .

وتبعه ابن حجر . قلت : مع عدم دلالة الحديث على ما قيل لا ينبغي أن يحمل على المختلف في جوازه ، ويترك ظاهره المتفق على صحته . وقال في الأزهار : فيه دلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل نقله السيد .

[ ص: 1056 ] قلت : ثبت العرش أولا فانقش ، ثم رأيت أن صاحب المصابيح قال في شرح السنة : يحتمل أن يكون هذا في حال كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيما ، والمقيم يصلي صلاة الخوف في المصر ، إلا أنه لم يذكر في الحديث أن القوم قضوا ، ويجوز أن يكونوا قضوا ، ومثل هذا جائز في الأحاديث ، ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الآية بالقصر ، فهذا بحمد الله شافعي منصف غاية الإنصاف ، ومجتهد مجتمع جميع الأوصاف ، حمل الحديث على ما اخترناه فيه ، وصاحب البيت أدرى بما فيه ، ولا يرد على كلامه شيء مما نظر زين العرب فيه ، إلا أن تقييده بقوله في المصر اتفاقي ; لأن الحكم في خارجه أيضا كذلك ، حيث لم يكن مسافرا .

وفي الأزهار ، قال العلماء : لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع شروط : أحدها : أن يكونوا مسافرين . قلت : أو مقيمين . والثاني : أن يكون الكفار في غير جهة القبلة . قلت : ويدل عليه ، ثم تأخروا . والثالث : أن يخاف المسلمون من العدو والهجوم عليهم . قلت : هذا شرط لمطلق صلاة الخوف ، لا لخصوص صلاته بذات الرقاع . الرابع : أن يكون في المسلمين كثرة يمكن تفريقهم فرقتين . قلت : وهذا أيضا عام غير مخصوص ، وذكر فيه أيضا أن غزوة ذات الرقاع كانت في السنة الخامسة من الهجرة . قال : وبه قطع صاحب الروضة . وقال ابن الجوزي في عيون التاريخ : في السنة الرابعة ، والصحيح الأول اهـ .

قال السيد : هذان القولان يخالفان نص البخاري ; فإنه قال : غزوة ذات الرقاع هي بعد خيبر ; لأن أبا موسى قدم بعد فتح خيبر في السنة السابعة ، وهو ممن شهد ذات الرقاع بلا خلاف ، إلا أن يحمل على تعدد هذه الغزوة مرة في الخامسة ، ومرة في السابعة أو الثامنة اهـ .

وفي فتح الباري : الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة ; لأن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت ، وقد ثبت وقوع صلاة الخوف في ذات الرقاع ، فدل على تأخرها عن الخندق . وقال ابن الهمام : إنما شرعت صلاة الخوف بعد الخندق في الصحيح ، فلذا لم يصلها إذ ذاك . وقوله في الكافي : إن صلاة الخوف بذات الرقاع وهي قبل الخندق ، وهو قول ابن إسحاق ، وجماعة من أهل السير .

واستشكل بأنه قد تقدم في طريق حديث الخندق للنسائي التصريح بأن تأخير الصلاة يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف . رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، والبيهقي ، والشافعي ، والدارمي ، وأبو يعلى الموصلي ، كلهم عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه : حبسنا يوم الخندق . فذكره إلى أن قال : وذلك قبل أن ينزل : فرجالا أو ركبانا . قال التوربشتي : اختلفت الروايات في صفة تلك الصلاة لاختلاف أيامها . فقد صلى - عليه الصلاة والسلام - بعسفان ، وبطن نخلة ، وبذات الرقاع وغيرها على أشكال متباينة بناء على ما رآه من الأحوط ، فالأحوط في الحراسة ، والتوقي من العدو ، وأخذ بكل رواية منها جمع من العلماء .

( قال ) أي : جابر . ( فكانت ) أي : وقعة تلك الصلاة . ( لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات ، وللقوم ركعتان ) أي : معه - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى بهم ركعة وبنفسه ركعتين . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية